التفاسير

< >
عرض

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً
١
-الجن

تيسير التفسير

{ قُلْ } لقومك لعلهم يؤمنون بك كما آمن الجن بك وليسوا من جنسك، وكيف لا يؤمنون بك وهم أفضل من الجن وأعقل، قيل الجن حيوان هوائى يتشكل بأَشكال مختلفة، وقيل جواهر لا أجسام ولا أعراض بعضها شريرة كريهة محبة للشرور وبعضها خيرة كريمة محبة للخيور، ولا يعلم عدة أنواعهم إِلا الله عز وجل، وقيل أجسام مختلفة لطيف وكثيف، علوى وسفلى أقدرها الله تعالى شأَنه على أفعال عجيبة.
{ أُوحِيَ إِلىَّ } إِلخ. صريح فى أنه لم يؤمر بموعد لهم ومعرفة وقصد لأَن يعظمهم بالقرآن بل حضروه وهو لا يدرى بهم بل علم بالوحى. فعن ابن عباس رضى الله عنهما ما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجن ولا رآهم وإِنما انطلق بطائفة من أصحابه لسوق عكاظ وقد حيل بين الجن والسماء بالشهب فقالوا ما ذلك إِلا لشئ حدث فأَضربوا مشارق الأَرض ومغاربها فمر من ذهب إِلى تهامة منهم بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى الفجر بأًصحابه بنخلة فاستمعوا له فقالوا هذا الذى حال بيننا وبين السماء ورجعوا إِلى قومهم وقالوا يا قومنا.. إلخ. فأَنزل الله تعالى: قل أُوحى إِلى. الخ. وعكاظ سوق صغيرة معروفة بقرب مكة تقصدها العرب فى الجاهلية فى كل سنة مرة وفى اول الإِسلام وتهامة ما نزل على نجد من بلاد الحجاز سميت تهامة لتغير هوائها ومكة من تهامة ونخلة من أودية مكة قريب منها وليس فى قوله تعالى:
" { وإِذْ صرفنا إِليك } " [الأحقاف: 29] إِلخ. ما يصرح بأَنه - صلى الله عليه وسلم - على عهد بهم وعلى قصد القراءة عليهم إِذ يصح أنه صرفهم إِليه بلا علم منه بحضورهم إِذا حضروا، وأنه لم يعلم بصرفهم إِليه إِلا بعد إِخبار الله تعالى بالصرف، ولا دليل فيه على أنه أرسلهم إِلى قومهم نُذُرا بل سمعوا فأَنذروا قومهم، وأما ما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال عن النبى - صلى الله عليه وسلم - "أتاني داعي الجن فذهبت معه وقرأت عليهم القرآن، وانطلق بنا وأرانا آثارهم وآثار نيرانهم" فهى واقعة أُخرى ووفادة الجن ست مرات والحافظ حجة والمثبت مقدم على النافى كابن مسعود وأبى هريرة إِذ حكيا هذه ولم يعلم ابن عباس بها فنفاها أو نفاها عن أن تفسر بها الآية هذه، وقصة الجن وكلامهم معه - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل كانت سنة إِحدى عشرة من النبوءة وابن عباس صغير وما ناهز الحلم إِلا فى حجة الوداع، وعن ابن مسعود رضى الله عنه "صلى النبى - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم انصرف فأَخذ بيدي حتى أتينا مكان كذا فأَجلسني وخط على خطً وقال لا تبرح وأتاني رجال منهم كالزط وقال ما جاءني إِلى السحر وجعلت أسمع الأَصوات وقلت أين كنت يا رسول الله؟ قال: أُرسلت إِلى الجن. فقلت: ما الأَصوات التي سمعت؟ قال: أصواتهم حين ودعوني وسلموا عليَّ" وأحاديث القصة كثيرة، وعن ابن عباس كان للجن مقاعد يستمعون من الملائكة فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعتهم الملائكة منها بالشهب فأَخبروا إِبليس فقال هذا لأَمر حدث فى الأَرض فبعث جنوده فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً يصلى بين جبلين فى مكة فأَخبروه فقال: لهذا الحدث منعتم.
{ أنَّهُ اسْتَمَعَ } عالجوا السمع، قال عكرمة سمعوا
" { اقرأ باسم ربك } " [العلق: 1] وقيل سورة الرحمن واعلم أنه إِذا ذكر فى حديث أو أثر أول السورة بلا ذكر بسملة فاعلم أنها مرادة ولا تذكر تخفيفاً واختصاراً مع العلم بها بأَنها أول كل سورة سوى سورة التوبة.
{ نَفَرٌ } ثلاثة من أهل حران وأربعة من أهل نصيبين التى ياليمن وعن عكرمة اثنا عشر ألفاً، والأَول أظهر وهم من الشيصبان وهم أكثر الجن عدداً وعامة جنود إِبليس منهم، والمشهور فى اللغة أن النفر ما بين الثلاثة والعشرة وقد يطلق على ما فوق العشرة كما روى عن الشعبى حدثنى بضعة عشر نفراً وقد يطلق على المفرد كما فى كلام الشعبى هذا ويطلق النفر على الجن كما فى الآية وعلى الإِنس على الرجال والنساء، وقيل يطلق الرهط والنفر إِلى الأَربعين وأن الرهط يرجعون إِلى أب واحد كما يقال رهط من الأَنصار بخلاف النفر فلا يشترط فيه وحدة الأَب وأطلق على القوم فى قوله عز وجل
{ { وأعز نفراً } [الكهف: 34] { مِّنَ الْجِنِّ } واحدة جنى وهو مطرد فى مثل ذلك كإِنس وإِنسى وعرب وعربى وبربر وبربرى وترك وتركى، والجن أجسام عاقلة نارية لقوله عز وجل " { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } " [الحجر: 27] وقوله عز وجل " { وخلق الجان من مارج من نار } " [الرحمن: 15] والمراد أن النار تغلبت عليهم كما أن آدم من تراب معه ماء، وقيل أجسام نارية تغلب عليها الهواء وكلهم يقبلون التشكل بأَشكال مختلفة، وقيل صنف منهم ومن شأنهم الخفاء ولهم قوة على الأَعمال الشاقة وألفت رسالة فى إِمكان رؤيتهم على صورها الأَصلية بل وبصورها الأَصلية التى خلقت عليها كالملائكة عليهم السلام ومن شاء الله تعالى من خواص عباده عز وجل منها ما إِن حبس انحبس وما لا ينحبس.
{ فَقَالُوا } أى النفر لما رجعوا إِلى قومهم. { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً } كلاماً يقرأ أو كتاباً يقرأ، ومعنى كلاماً يقرأ يجمع بعضه لبعض يسرد والمقصود كتاب من السماء ونكر تعظيماً. { عَجَباً } بليغ فى العظم كأَنه نفس العجب كما تقول زيد صوم إِذا أكثر الصوم أو بمعنى مفعول أى معجوباً به.