التفاسير

< >
عرض

لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً
١٧
وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً
١٨
-الجن

تيسير التفسير

{ لِّنَفْتِنَهُمْ } نختبرهم. { فِيهِ } هل يشكرون أى نعاملهم معاملة المختبر، فالكلام استعارة تمثيلية، ولو أن أهل القرى آمنوا. الخ، وقيل لو استقاموا لو ثبتوا على الدين السابق لأَن الجان وهو إِبليس كان مؤمناً عابداً ثم كفر وعصى، فالمعنى لو دام علىدينه وتبعه أولاده الجن فى دينه لوسعنا عليهم الرزق لنفتنهم فيه، وقيل المراد لو استقام الجن على طريقتهم التى هى الكفر ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق استدراجاً لنعذبهم تعذيب من وسع عليه ولم يشكر وهو فوق تعذيب من لم يوسع عليه، وقيل لو كفر من أسلم من الناس، وكلا القولين خروج عن الظاهر فإِنه لا دليل على الاستدراج فإِن اللفظ يعم الاستدراج وغيره فإِن الاختيار أعم من الاستدراج، وكأَن قائله راعى أن لفظ الفتنة أظهر فى الاستدراج ثم إِنه لا يخفى بعد استعمال الاستقامة على الطريقة الاستقامة علىالكفر وأيضاً يعارضهما قوله تعالى: " { ولو أنَّ أهل القرى } " [الأعراف: 96] الخ. ولا دليل لهما فى قوله تعالى: { وَمَنْ يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِهِ } كما زعم بعض أنه توكيد لمضمون السابق من الوعيد أى لنستدرجهم فيتبعوا الشهوات التى هى موجبة للبطر الذى منه الإِعراض، ويبحث فيه بأَنه توكيد لقوله فكانوا لجهنم حطباً وأنه ذكر لبعض ما شمله الاختبار وذكر ربه ذكره لربه بالإِيمان، وقيل بمعنى عبادة ربه تجوزاً، وقيل ذكره تذكيره ففى هذا أضيف المصدر للفاعل وكذا إِن فسر بالموعظة أو بالوحى. { يَسْلُكْهُ } تعدى لاثنين لتضمن معنى ندخله أو يقدر نسلك به فحذف الباء واتصلت الهاء بنسلك. { عَذَاباً صَعَداً } مصدر نعت به مبالغة على ان العذاب نفس الصعود عليهم أو بمعنى الوصف أى صاعداً عليهم أى عذاباً عالياً على المعذب وهذا الصعود معنوى لا حسى لأَن العالى عليه حساً هو ما يعذب من سلاسل ومقامع ونار وغير ذلك لا تَوَجُّعُه أو العالى توجعه فهو راجع إِلى معنى المشقة والغلبة فكأَنه قيل عذاباً شاقاً أو غالباً يقال فلان فى صعد من أمره اى فى مشقة، وفى الحديث الأَمر بذكر خصال الخاطب للنكاح فكان عمر يقول ما تَصعدنى شئ كما تصعَّدنى خطبة النكاح أى ما غلبنى وكانوا يذكرون خصال آباء المتزوج وخصاله التى اكتسبها فشق عليه معرفته بها ومدح المتزوج بها فى وجهه وعشيرته ولحضور الناس ونظر بعض لبعض حسداً أو استهزاء وتعجباً من ذكره، وعن أبى سعيد الخدرى صعدا جبل فى النار يعالجون صعوده لينجوا من النار فكلما وضعوا أيديهم وأرجلهم عليه ذابت، وقيل جبل فى جهنم من صخرة واحدة أملس يجبر على صعوده كلما وصل أعلاه انحدر إِلى أسفله، فعلى أنه جبل فى القولين يكون بدلاً من عذاباً على حذف مضاف أى عذاباً عذاب صعداً وهو المفعول الثانى، وعذاباً تعليل، أى نسلكه صعداً للتعذيب، قيل لما قرأ القرآن وسمعه الجن قالوا نحن بعيدون منك فنزلت الاية وهى قوله تعالى:
{ وَأنَّ المَسَاجِدَ } وهذا على أن المراد بالمساجد الأَرض مطلقاً، كما قال - صلى الله عليه وسلم -
"جعلت لِي الأَرض مسجداً" ، والصحيح المواضع المعدة للصلاة والعبادة. { لِلَّهِ } مختصة به خلقت له وبنيت له والعطف على أنه استمع والعاطف أغنى عن ذكر أوحى وكأَنه قيل وأوحى إِلى أن المساجد لله، وقيل بتقدير اللام متعلقة بتدعو بعده أى لا تدعوا مع الله أحداً لأَن المساجد لله أى لا تدعوا مع الله أحداً فيها كانت اليهود والنصارى إِذا دخلوا كنائسهم وبيعهم كفروا فأمرنا بإِخلاص العبادة لله تعالى إِذا دخلنا مساجدنا لأَن الإِشراك فيها أشد قبحاً، وقال الحسن المساجد كل موضع سجود مصلى أو مسجد أو غير ذلك، والأَرض كلها مسجد لهذه الأُمة كما روى "جعلت لِي الأَرض مسجداً وحيثما أدركتكم الصلاة فصلوا" ومن قبلنا يصلون فى بيعهم وكنائسهم إِلا من خص كعيسى عليه السلام والخضر ومن أشبههما فى السياحة من ألأَنبياء إِلا أن الخضر من هذه الأُمة بعد بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - وكذا عيسى إذا نزل فالأرض كلها له مسجد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان موسى حياً لم يسعه إِلاَّ اتباعي" ، والله اخبرنا أن الأَرض جعلت للصلاة فلا تجعلوها للمعصية ولا تسجدوا فيها لغير الله تعالى، وقيل المساجد المسجد الحرام أى الكعبة نفسها أو الحرم كله، والجمع لأَن كل ناحية منه مسجد له قبلة مخصوصة أو لأَنه قبلة المساجد، وقيل هو وبيت المقدس كما روى عن ابن عباس أنه لا مسجد حين نزلت إِلا هما واثنان جمع حقيقة أو مجاز أو ذلك كله خلاف الظاهر والظاهر ما مر أولاً.
ورواية ابن عباس هذه لا توجب تفسير الاية بهما، وقال سعيد ابن جبير المساجد جمع مسجد بفتح الجيم وهى القدمان والركعتان والكفان والوجه، وفى الحديث
"أمرت أن أسجد على سبعة أراب ولا أكف شعراً ولا ثوباً" ، وقيل المساجد جمع مسجد بفتح الميم مصدر بمعنى السجدة { فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أحَداً } فيها هذه الفاء ومثلها مما يتبادر تعليق الظرف فيما بعدها تشبه فاء الجواب لتضمن الكلام معنى الشرط كأَنه قيل فإِن لم توحدوه فلا تدعوا مع الله أحداً فيها فإِنه أقبح إِشراك، والخطاب للجن لما روى أنهم قالوا كيف نشهد الصلاة معك يا رسول الله على بعدنا عنك، فنزلت بمعنى اعبدوا الله حيث كنتم تقبل عبادتكم إِن لم تشركوا، وقيل الخطاب عام.