التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً
٩
-الجن

تيسير التفسير

{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا } موضعاً قريباً منها { مَقَاعِدَ } بدل من موضع المحذوف والمفرد مقعد بفتح الميم والعين أى موضع القعود وهى مواضع قعود فى الهواء يطيرون إِليها، وقيل يقف واحد على آخر حتى ينتهوا إِليها وهو مروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { لِلسَّمْعِ } لأَجل أن تسمع ما تقول الملائكة متعلق بنقعد أو بمحذوف نعت لمقاعد أى ثابتة للسمع، أو يقدر كون خاص أى صالحة للسمع لخلوها عن الحرس والرصد والرمى بالشهب. { فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ } الخ، عطف على أنا كنا نقعد الخ، والآن ظرف للزمان الحاضر وهو وقت متسع يرمى بالشهب فى بعضه قبل تكلمهم بهذا أو بعده وفيه على الظن فى وقت التكلم وما بعده والمضارع للتجدد وحكاية ما مضى يقيناً والحال والاستقبال ظنا، وقيل الآن هنا للاستقبال لقوله يستمع وهو مضارع للاستقبال { يَجِدْ } يلق. { لَهُ } لنفسه، وفيه عمل عامل واحد فى ضميرين لمسمى واحد متصلين بلا تبعية فى غير باب ظن وما ألحق به وهو مقيس لأَن أحدهما بحرف جر وهو كثير فى القرآن ومقيس فلا تهموا.
{ شِهَاباً رَّصَداً } نعت مبالغة كأَنه نفس الرصد وهو الحرس والمراقبة أو يقدر براصد أو بمصاحب رصد وهو مفرد وإِن جعلناه اسم جمع أو جمع راصد على ما مر آنفاً فإِنما وصف المفرد به لقوته جداً كأَنه شهب متعددة كقوله:

كأَن قيود رجلى حين ضمت حوالب غرز ومعا جياع

إِذ وصف المعى واحد الأَمعاء بجياع وهو جمع ويجوز على بعد أن يكون اسم جمع والمنعوت جمع محذوف أى يجد له ذوى شهاب رصد أى راصدين، ويجوز أن يكون مصدراً تعليلاً أى لأَجل الرصد وفيه اختلاف الفاعل فإِن فاعل الوجود الشيطان وفاعل الرصد الملائكة فإِن الرصد للملائكة يرصدون المستمع فيرجمونه بالشهاب لئلا يستمع فيحترف ويبقى أو يموت، وإِن جعل علة لمحذوف نعت لِشهاباً أى شهاباً عد للرصد صح، والأَصل عدم الحذف وفى الآية وجود الرجم بالشهب ومقاعد للسمع قبل بعثه - صلى الله عليه وسلم - ولكن كثر بعد بعثه - صلى الله عليه وسلم - وشدد فالذى من آياته - صلى الله عليه وسلم - كثرته وتشديده أو كان الرمى قبله - صلى الله عليه وسلم - لحوادث ولما بعث كان لرجم الشياطين عن الاستماع أو له ولغيره ويقع فى رمضان مع أنه روى أن الشياطين تصفد فيه فتقول صفدت فيه المردة دون عامتهم وأنها صفدت عن مضرة الناس لا عن الاستماع ومن أدلة وقوع الرمى فى الجاهلية قوله - صلى الله عليه وسلم - فى جماعة من الأَنصار وقد رمى بنجم فاستنار ما كنتم تقولون لهذا فى الجاهلية قالوا: نقول يموت عظيم أو يولد عظيم ووقوعه فى أشعار الجاهلية كقول بشر بن أبى حازم:

والعير تتبعها الغبار وجحشها ينقض خلفها انقضاض الكوكب

وفى ذلك رد لقول من قال لا رمى قبل مبعثه بالشهب، وقيل كان قبل وبعد ولم يزدد بعد.