التفاسير

< >
عرض

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً
١٧
ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً
١٨
-المزمل

تيسير التفسير

{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ } الخ ترتيب على الإِرسال والعصيان. { إِن كَفَرْتُمْ } بقيتم على الكفر وقيل هو على ظاهره لكن جئ به على صورة الشك تنبيهاً على بعد الكفر مع تبليغ هذا الرسول إِليهم حتى كأَنه لم يقع وشك فى وقوعه. { يَوْماً } مفعول به لتتقى أى كيف تتقون نفس ذلك اليوم فلا يأتى عليكم، أو كيف تتقون هول ذلك اليوم أو كيف تتقون عذاب اليوم، أو هو ظرف لتتقى، أى كيف تعبدون الله فى ذلك اليوم فتنجوا، والآخرة ليست دار عمل فاعملوا الآن، قيل أو هو مفعول لكفرتم بمعنى أنكرتم كيف يرجى إِقلاعكم عن الكفر وقد جحدتم ذلك اليوم. { يَجْعَلُ } ضمير يجعل لليوم على التجوز بالإِسناد إِلى زمان الفعل فإِن الفاعل حقيقة هو الله تعالى والجملة نعت يوماً والرابط ذلك الضمير وإِن رددنا الضمير إِلى الله تعالى فالرابط محذوف أى يوماً يجعل الله فيه { الْوِلْدَانَ شِيباً } جمع أشيب كأَحمر وحمر وأصله شوب كسر الشين لتبقى الياء والشيب حقيقة، فعن ابن مسعود يقول الله تعالى لآدم عليه السلام - قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول يا رب لاعلم لى إِلا ما علمتنى فيقول الله عز وجل ابعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فيساقون إِلى النار، وهؤلاء من يدخل النار بغير حساب وهم يأجوج ومأجوج وما أشبههم من بنى آدم وحينئذ يشيب كل وليد، وجاء فى ذلك حديث مرفوع فى الصحيحين "يقول الله عز وجل يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك. فينادي: إِن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وفيه اينا ذلك الرجل فقال - صلى الله عليه وسلم - أبشروا الرجل منكم والباقون من يأجوج ومأجوج وفيه أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال شطرهم فكبروا" . وهذا الترتيب أوقع فى النفس وأبلغ فى الإِكرام وظهور الاعتناء بهم وتكرير البشارة وتجديد الشكر، وفى حديث آخر أهل الجنة ثمانون صنفاً أنتم ثلثان منهم، وقوله - صلى الله عليه وسلم - الرجل منكم تمثيل لأَنه يكون أيضاً من الأُمم السالفة، أو الخطاب فى منكم لبنى آدم لا للصحابة خصوصاً، ومما يزاد به شيب قوله ابعث بعث النار وأنه تسعمائة وتسعة وتسعون.

صلوا على المختار فهو شفيعكم فى يوم يبعث كل طفل أشيبا

وكم ميت ورد فى الأَخبار أنه بعث فى الدنيا أشيب، وقد مات غير أشيب، ومن ذلك أن عيسى عليه السلام رأى قيحاً يخرج من قبر فقال: يا رب ما هذا؟ قال: صل ركعتين، فصلى ودعا فخرج إِنسان مه نصف لحيته أشيب فقال له: ما هذا؟ فقال: مت بلا شيب فنودى بى وتوهمت البعث فشاب نصف لحيتى وقال: ما حالك؟ فقال: فى خير إِلا أنى كنت قاضياً فاستمعت إِلى كلام خصم دون آخر فهذا القيح يخرج من الأُذن لذلك، وقيل جعل الولدان شيباً عبارة عن الشدة لأَن من اشتدت عليه الهموم، أسرع إِليه الشيب، أو هو وصف لذلك اليوم بالطول وتمثيل له بأَن الولدان يبلغون فيه أو أن الشيب لا حقيقة الشيب ولا ذلك المقدار فقل من الزمان بل أطول ونقدم له لا إِله إِلا الله والإِيمان بكل ما يجب الإِيمان به ونسأَله التوفيق للوفاء وإِكثار الصلاة والسلام على النبى - صلى الله عليه وسلم - وذلك على العموم، وقال السدى أولاد الزنى، وقيل أولاد المشركين، وهما ضعيفان إِذ لا وجه للتخصيص ولا ذنب للولدان المذكورين وقوله:
{ السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } نعت آخر والهاء لليوم والباء كلالة أى منشق بذلك اليوم لشدة هوله مع عظمها وقوتها فما بالك بغيرها، أو الباء بمعنى فى أى منشقة فيه لهوله، ويجوز أن يكون الانفطار عبارة عن ثقله عليها الآن فى الدنيا لشدته وخوفها أن يقع والثقل سبب للانشقاق فى الجملة ولا انشقاق حقيق ولكن تمثيل وتخييل والصحيح أن الانشقاق حقيق وأنه يوم القيامة، وإِن رددنا الهاء إِلى الله كما هو مذهب مجاهد فالرابط بين النعت والمنعوت محذوف أى منفطر فيه بالله أى بأَمره والسماء يذكر ويؤنث والتأْنيث أكثر كما فى القرآن كقوله تعالى:
" { قالتا أتينا طائعين } " [فصلت: 11] ولو كان مذكراً لقيل قالا تغليباً على الأَرض وقوله: " { إِذا السماء انفطرت } " [الانفطار: 1] وقوله تعالى: " { إِذا السماء انشقت } " [الانشقاق: 1] وقوله تعالى: { { والسماء ذات البروج } [البروج: 1] وقوله: " { يوم تمور السماء مموراً } " [الطور: 9] ومن تذكيره قول الشاعر:

ولو رفع السماء إِليه قوماً لحقنا بالسماء وبالسحاب

وهاء إِليه للسماء، ولم يقل رفعت السماء إِليها، وقيل ذكر لتأويله بالسقف والحكمة الإِدهاش بزوال أداة الإِطلال تمثيلاً بزوال الظل لزوال السقف، وقيل التذكير للنسب أى ذات انفطار كمرضع أى ذات رضاع وحائض أى ذات حيض، وقيل بتأويل شئ منفطر بمعنى أنه تبدلت وزال حكمها ولم يبق لها إِلا اسم شئ، ولا يصح أن السماء اسم جنس مفرده سماة وأنه ذكر لذلك كشجر وبقر وكلم لأَن كلاً من السماء والسماءة مفرد. { كَانَ وعْدُهُ مَفْعُولاً } الجملة نعت آخر ليوم والرابط الهاء عائدة إِليه وإِضافة الوعد إِليها إِضافة مصدر لمفعول والفاعل الله أو الهاء لله والإِضافة للفاعل والمفعول ضمير اليوم محذوفاً أى وعْدُ الله به.