التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً
١٦
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً
١٧
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ
١٨
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ
١٩
-المدثر

تيسير التفسير

{ كَلاَّ } لا تطمع وكأَنه قيل لم قطع رجاؤه فقال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً } كمعانداً لأَنه التوحيد وآيات القرآن والعناد يمنع الزيادة، وقد قيل إِنه علم بأن الحق مع النبى - صلى الله عليه وسلم - وجحد بلسانه فما زال بعد نزول الاية كما قال مجاهد فى نقص من ماله وولده حتى هلك فذلك جزاؤه فى الدنيا وأما الآخرة ففى قوله تعالى:
{ سأُرْهِقُهُ صَعُوداً } سأَجعله غاشياً عقبة شاقة المصعد كثيرة الارتفاع وأكلفه صعودها. فعن الكلبى الصعود صخرة يصعدها فى أربعين خريفاً لا ينفس له يجبد من قدامه بسلاسل ويضرب من خلفه يمقامع، وقال أبو سعيد الخدرى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
"الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك ابداً" ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - "يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع يده ذابت فإِذا رفعها عادت وإِذا وضع قدمه ذابت وإِذا رفعها عادت" وكأَنه قيل لم هذا الوعيد. فأَجاب بقوله تعالى:
{ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } وفيه أنه لا عاقل يقول لهم هذا العذاب بعد أن سمع أنه كان لآياتنا عنيداً فالتحقيق أن هذا بيان لعناده، وقيل بدل من الجملة قبله بدل بعض لأَن هذه بعض من العناد، والمراد فكر فى نفسه ما يقول فى القرآن ومحمد وقدر فى نفسه ما يقول:
{ فَقُتِلَ } بسبب التفكر والتقدير المذكورين وذلك ذم على ظاهره، أى لعن كقوله تعالى:
" { قتل أصحابُ الأُخدود } " [البروج: 4] وقوله عز وجل: " { قاتلهم الله أنى يؤفكون } " [التوبة: 30، المنافقون: 4] وقيل عذب. { كَيْفَ قَدَّرَ } استفهام تعجيب من موافقته ما تقصد قريش، أو ظاهره ذم، والمراد مدح تهكماً نحو قاتله الله ما أشجعه وأخزاه ما أشعره، وأصل هذا الباب أن الإِنسان إِذا بلغ فى الوصف مبلغاً عظيماً يستحق أن يدعو عليه حاسده بالسوء أو حكاية لما قالته قريش عند سماعهم كلام الوليد فى شأْن القرآن والرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله إِنه سحر يؤثر جاء إِلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ عليه القرآن فرق له وقال له أبو جهل يا عم إِن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً فإِنك أتيت محمداً تريد أن تصيب مما عنده فقال قد علموا أنى أكثرهم مالاً، قال فقل قولاً يعلمون أنك كاره له فقال والله ما فيكم أعلم بشعر الإِنس والجن أو الرجز منى وما يقوله محمد لا يشبه ذلك وإِن له لحلاوة وطلاوة، مثمر الأَعلى مغدق الأسفل يعلو سواه ويحطمه وذهب إِلى منزله ولم يرجع إِليهم فقال لا يرضون عنك حتى تقول فيه، فقال دعنى حتى أفكر ففكر فقال ما هو إِلا سحر يؤثر فعجبوا، ويروى أنه لما نزل حم إِلى المصير قرأها النبى - صلى الله عليه وسلم - فى المسجد مصلياً ولما علم أن الوليد يسمع أعادها فذهب إِلى مجلس قومه بنى مخزوم فقال سمعت من محمد كلاماً ليس من كلام الإِنس أو الجن وإِن له لحلاوة إِلى آخر ما مر فقال قريش صبأَ الوليد والله لتصبأَن قريش كلها. فقال أبوجهل أكفيكموه فجلس إِليه حزيناً فحرك منه ما سكن بأَن قعد متحزناً فقال له الوليد: مالك يا ابن أخى حزيناً؟ فقال: مالى لا أحزن وقد صبأَت إِلى محمد وابن أبى قحافة فى آخر عمرك لتصيب من فضلة طعامهما وهكذا عند قريش فقال قد علموا أنى أكثرهم مالاً وهل يشبع محمد وابن أبى قحافة حتى تبقى لهما فضلة فأَتاهم الوليد فقال: تقولون محمد مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتقولون إِنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً وتزعمون أنه كاذب فهل جربتم عليه كذباً قط. وفى كل ذلك يقولون اللهم لا وكانوا يسمونه قبل النبوة الأَمين لصدقه. قالوا فما هو ففكر. فقال: ما هو إِلا ساحر يأَثر السحر من مسيلمة وأهل بابل أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فتفرقوا معجبين بهذا الكلام منه وليس معتقداً أنه سحر لكن أرضاهم بذلك كما قال الله عز وجل { { وجحدو بها واستيقنتها أنفسهم } [النمل: 14].