التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ
٤٣
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ
٤٤
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ
٤٥
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ
٤٦
حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ
٤٧
-المدثر

تيسير التفسير

{ قَالُوا } فى جواب السؤال. { لَمْ نَكُ مِن الْمُصَلِّينَ } الصلاة الواجبة وكأَنه قيل بم أجابوا، فقال الله عز وجل قالوا لم نك.. الخ، ومقتضى الظاهر انتفاء كوننا من المصلين أى سلكنا فيها انتفاء كوننا الخ، لكن عدلوا إِلى ما هو المقصود المتحسر عليه معرضين عما سواه مما يطابق السؤال ولم يقصد بالذات وفى ذلك دليل على خطاب المشركين بفروع الشرع إِذ لو لم يخاطبوا بها لم يعذبوا على ترك الصلاة وذلك كثير فى القرآن وكذا فى قوله تعالى:
{ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } الإِطعام الواجب كالزكاة والكفارة ولو لم يخاطبوا بالفروع لم يعذبوا بترك الإِطعام وأجيب بأَن المراد لم نكن من المعتقدين لوجوب الصلاة والإِطعام أو المصلين كناية عن المؤمنين فسلكهم فى سقر شركهم وبأَن ذلك كلام من المشركين فيمكن أن يكونوا كاذبين أو خاطئين وإِنما سلكهم الإِشراك والحق أن التأْويل خلاف الأَصل ولا يحسن التأْويل بلا داع ولا سيما مع كثرة دلائل الخطاب بها، وأيضاً المراد التحذير فلو كان قولهم ذلك كذباً أو خطأَ لم تحصل فى ذكره فائدة وأجيب أيضاً بأَن المقصود فى الجواب بالذات هوقولهم المذكور بقوله تعالى:
{ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ } وقولهم المذكور بقوله تعالى: { وَكُنَّا نُكَذِبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أتَانَا الْيَقِينُ } فإِن الخوض والتكذيب إِشراك فعذبوا بهما، وأما ذكر عدم الصلاة وعدم إِطعام المسكين فزيادة فى الجواب لمزيد تحسرهم على ما فاتهم من التوحيد وتوابعه قلنا لا يخفى أن الأَصل خلاف الزيادة وألأَصل إِجراء الكلام على ظاهره إِلا لدليل يُعين التأْويل ويوجبه، والخوض القول فى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسحر والكهانة ونحوهما، أو القول بذلك ومما يلهى ولا نفع فيه أو فيه معصية ومن ذلك ذكر الأَضاحيك وذكر ما بين الزوجين وذكر حروب المسلمين على وجه التنقيص وذلك مستعار من الخوض فى الماء أو استعمال للمقيد فى المطلق على التجوز الإِرسالى ويوم البعث والجزاء، وفيه أهوال عظيمة غير الجزاء واقتصروا على إِضافته للجزاء لأَنه الأَهم وأخروا التكذيب بيوم الدين عن ترك الصلاة وإِطعام المسكين وعن الخوض مع أنه أعظم لتفخيمه كأَنهم قالوا: وكنا مع ذلك مكذبين بيوم الجزاء ولبيان أن تكذيبهم به استمر مع تلك الجنايات حتى أتاهم اليقين أى الموت الذى أيقنوا به بإِتيان مقدماته أو بعد وقوعه فحين أتاهم أدركوا الحق حين لا ينفعهم الإِدراك كأَن لم يدركوا إِلى أن ماتوا أو حضرت مقدمات الموت ولا إِشكال فى ذلك، وقيل اليقين صحة ما وعدوا به من البعث والجزاء وحقية ما يقول محمد - صلى الله عليه وسلم - كله والمراد مجموع تلك الجنايات لا كل واحدة فإِن من المشركين من اجتمعت فيه ومنهم من لم يكن له مال فلا إِطعام عليه والشئ بالشئ يذكر، ذكر الشيخ عامر - نفعنا الله ببركته ورحمه الله - ما حاصله أنه من لم يتخذ وطناً لا صلاة له لأَنه لم يتعين له موضع يصلى فيه أربعاً من موضع يصلى فيه اثنتين ومن لم يصل هلك إِلا أنه ذكر بعد ذلك رخصة أنه يكفى الإِنسان صلاته أربعاً فى منزله الذى وجد فيه اباه يصلى فيه اربعاً، ولو لم يعرف الوطن ولا وجوب اتخاذه، قلت إِلا أنه إِذا سافر لزمه معرفة حد الفرسخين من ذلك المنزل ليصلى ركعتين إِلا أنه إِذا جاوزهما بلا معرفة بهما فكان يصلى الرباعية ركعتين كفاه أيضاً ولم يضره جهله بالفرسخين فليكتف بهذه الرخصة لما مضى.