التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً
١
-الإنسان

تيسير التفسير

{ هَلْ } حرف وضع للاستفهام من أول مرة كهمزة الاستفهام وليس أصله التحقيق فى الأَخبار كقد ثم نقل إِلى الاستفهام نيابة عن الهمزة ولا باقية على التحقيق مقدراً قبلها همز الاستفهام، ومن العجائب دعوى ذلك بمجرد بيت شاذ:

سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القاع ذى الأكم

بدخول الهمزة عليها وما هذا إِلا تأكيد مع أن الرواية الصحيحة أم هل رأونا بأُم المنقطعة بمعنى بل كما قال السيرافى ومع أن فى نسخة قديمة وجدها السيوطى فهل رأونا بالفاء فهى استفهامية حقيقة والاستفهام هنا تقريرى وإِذا استعملت فى غير الاستفهام فمجاز كما فسرها ابن عباس بمعنى قد وكذا سيبويه والكسائى وقيل للتقريب وقيل للتحقيق ولا يؤتى لها بمعادل وعبارة بعض إِذا كانت بمعنى الهمزة جاز أن يؤتى به وعبارة بعض تجوز بعدها أم المنقطعة، ومعنى الاية هل أتى على الإِنسان زمان لم يوجد فيه فيقال نعم فلزمه شكر نعمة الإِيجاد ويحقر نفسه ويعترف بالبعث كما خلق بعد عدم. { أَتَى } مضى. { عَلَى الإِنسَانِ } الجنس على الصحيح ولا مدخل فيه لآدم وبه قال ابن عباس وقيل آدم عليه السلام وهو رواية عنه ويرده أنه وصف بعد بأَنه من نطفة وآدم من تراب والإِنسان بعد هو هذا لأَنه معرفة ولم يضمر له بعد إِذ قال إِنا خلقنا الإِنسان ولم يقل خلقناه للتأْكيد، ودعوى أنه آدم على أنه وصف بالنطفة لأَن جنسه منها خلاف الأَصل والظاهر وقيل الإِنسان الأَول آدم والثانى أولاده صور الله تعالى آدم فى الأَرض أو فى السماء أو فى الجنة أقوال أصحها الأَول وطاف به إِبليس فقال إِن هذا لا يتمالك لأَنه أجوف أى خالى الوسط، ومعنى لا يتمالك لا يكون ملكاً من الملائكة أو لا يملك نفسه عن الشهوات أو لا يملك دفع الوسواس عنه أو لا يملك نفسه عند الغضب أو لا يمتنع من الغضب، ووجه القول بأَن الأَول آدم والثانى الإِنسان أن الأَول أحق بأَن لا يكون مذكوراً والثانى وصف بالنطفة. { حِينٌ } طائفة من الزمان محدودة طويلة أو قصيرة. { مِّنَ الدَّهْرِ } الزمان الممتد غير محدود يقع على مدة العالم من حين خلق الله الزمان إِلى مالا نهاية له فإِن الجنة والنار لا نهاية لهما ويطلق الدهر أيضاً على كل زمان طويل غير معين والزمان عام للقليل والكثير ويطلق على ستة أشهر أنها دهر وحين وفسر بعض الحين باليوم والليلة ولمعنى قد أتى أو هل أتى على جنس الإِنسان قبل زمان قريب مثلا طائفة محدودة مقدرة كائنة من الزمان الممتد لا يذكر كما قال الله عز وجل { لَمْ يَكُن شيئاً مَذْكُوراً } بل كان شيئاً لا يذكر بالإِنسانية أى غير معروف بها وهو التراب وما يتولد منه والتراب هو العنصر البعيد أو هو الأغذية وهى العنصر المتوسط أو النطفة وهو العنصر القريب المتولد من الأَغذية المخلوقة من العناصر والجملة حال من الإِنسان أو نعت لحين على حذف الرابط العائد إِلى المنعوت أى لم يكن شيئاً مذكوراً فيه وعليه فأُضمر ضمير الإِنسان مع جريان النعت على غير ما هو لظهور المعنى والصحيح جواز ذلك كقوله تعالى: " { واتقوا يوماً لا تجزي نفس } " [البقرة: 48، 123] الخ أى لا تجزى فيه وإِطلاق الإِنسان على مادته مجاز لعلاقة الآلة أو التسبب أو اللزوم ولعلاقة الأول وقد مر أنه قيل آدم مرت به ملقى بين مكة والطائف أربعون سنة طيناً ثم مرت به أربعون سنة حمأ مسنونا ثم اربعون صلصالاً، وأربعون تام الخلق وذلك مائة وعشرون ثم نفخ فيه الروح وعن عكرمة لا يعرف قدر هذا الحين إِلا الله أبهمه الله عز وجل، وزعم بعض الصوفية أن هل للنفى وأن المعنى لا أول للزمان ولا للإِنسان يوجد ويفنى بلا أول لذلك وهذا إِشراك ولا أظن موحداً يقوله وهو نفى للأَزل عن الله وإِثبات للقدماء مع الله ولعل الرواية لم تصح، وإِن قال لا أول لثبوته عند الله سبحانه أنه سيكون فحق لكن المخلوقات كلها كذلك، وسمع عمر رجلا يقرأ هذه الآية فقال ليتها تمت أى ليته بقى الإِنسان على العدم ولم يخلق، وكذا روى عن الصديق وابن مسعود رضى الله عنهم.