التفاسير

< >
عرض

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
١٦
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً
١٧
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
-النبأ

تيسير التفسير

{ وَجَنَّاتٍ } بساتين ذات أشجار تجن الأَرض أى تسترها أو الجنة ما فيه النخل والبستان ما فيه الكرم. { أَلْفَافاً } جمع لف بالكسر كجدع وأجداع قيل أو جمع لف بالفتح والجمهور على الأَول وهو على كل حال بمعنى ملفوف ومن العجيب قول بعض المحققين أنه صفة مشبهة بمعنى مفعول ولا نعرف الصفة المشبهة فى معنى مفعول به بل فى معنى فاعل، وقال الكسائى جمع لفيف بمعنى ملفوف ودع عنك القول بأَنه جمع لف بمعنى ملتف بحذف الزوائد، وقيل هو جمع لا واحد له كالأَوزاع والأَخياف للجماعات المتفرقة المختلفة وأفعاله تعالى المذكورة تثبت البعث بقدرته تعالى على إِنشائه ما ذكر بلا مثال يحتذى وبقوة علمه وحكمته إِذ أبدع هؤلاء المصنوعات مع ما فيها من منافع الخلق فيستحيل فى حكمته أن لا يجعل لها عاقبة وباعتبار نفس الفعل كالإِيقاظ بعد الإِنامة وإِخراج النبات من الأَرض والثمار من النبات وبعد إِثبات البعث ذكر وقته بقوله:
{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ } بين الخلق والحق والباطل. { كَانَ } فى علم الله أو فى اللوح أو سيكون خارجاً فعبر بالماضى للتحقق. { مِيقَاتاً } محدوداً بوقت لا يتقدم عنه باستعجالكم كما لا يتأَخر مطلقاً ولا لحبكم تأْخيره إِذا جاء والياء عن واو لأَنه من القوت، وقيل حداً تنتهى إِليه الدنيا أو حداً للخلائق تتميز به أحوالهم، وصحح بعض أن الدنيا انتهت بنفخ الموت، وقيل انتهت بنفخ البعث وهنا حديث موضوع عن البراء بن عازب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن جماعة من الموحدين يبعثون قردة النمامون وجماعة خنازير آكلو السحت وجماعة منكسين أرجلهم فوق رءوسهم وهم أكلة الربا وجماعة عميا وهم الجائرون فى الحكم والمعجبون بأَعْمالهم صماً بكماً والمخالف أقوالهم أفعالهم ماضغين ألسنتهم والمؤذون للجار مقطعى الأَيدى والأَرجل والساعون بالناس أو السلطان مصلبين على جذوع نار ومانعو الحقوق من أموالهم المتمتعون بها أشد نتناً من الجيف والمتكبرون المفتخرون أصحاب الخيلاء لابسين جباباً من قطران لاصقة بجلودهم وضع وفسر به قوله تعالى:
{ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فتأْتُونَ أفْوَاجاً } ويوم بدل من يوم أو بيان له وهو تفخيم ليوم الفصل والنفخ متقدم عن الفصل وأخر لأَن ذلك وقت ممتد فى بعضه وفى بعضه فصل ووقت النفخ منه وهو مبدأ له والصور مفرد جسم ينفخ فيه إِسرافيل وفيه الأَرواح أو هو جمع وهو صور الموتى تحيى بنفخ إِسرافيل بل بإِذن الله عز وجل والمفرد صورة ومر كلام فى ذلك والمشهور الأَول ويدل للثانى قراءة فتح الواو وفى الكلام حذف إِيذاناً بالسرعة كقوله تعالى: { فانفلق } أى فتحيون فتبعثون فتأْتون إِلى الموقف أفواجاً أى جماعات كل جماعة بإِمامهم يوم ندعو كل أناس بإِمامهم أو جماعات مختلفة بالسعادة والشقاوة وما يترتب عليهما بالأَعمال ومن بعث مقطوع الرجلين أو منكساً أمشاه الله بقدرته على غير الرجلين كما أمشاه عليهما فى الدنيا وأيضاً تأْتى به الملائكة مسحوباً ومن صلب على جذوع نار مشت به الجذوع بقدرة الله تعالى أو جرها الملائكة كما تجر العمى فكلهم داخلون فى قوله تعالى فتأتون.