التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٢٦
-الأنفال

تيسير التفسير

{ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ } معشر المؤمنين والنبى { قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ } خبر ثان أَو نعت، قليل أَى معدودون مع تلك القلة ضعفاء، أَو موجودون ضعفاءَ، أَو مصيرون ضعفاءَ { فِى الأَرْضِ } أَى أَرض مكة وغيرها، أَو فى أَرض مكة على أَن الخطاب فى اذكروا وأَنتم للمهاجرين، وعليه فأَطلق الأَرض مع أَن المراد أَرض مكة للعهد، أَو لعظمها كأَنها الأَرض كلها، ولأَن الأَرض بسطت من تحت الكعبة، ولأَن حالهم فى سائر الأَرض كحالهم فيها من الاستضعاف، كما قال { تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ } يأخذونكم بسرعة، فإِنهم يخافون فى مكة وغيرها أَن يتخطفهم الناس، إِما قريش فى مكة، وإِما غيرهم فى غيرها، أَو الخطاب للعرب مطلقا يخافون أَن يتخطفهم فارس والروم، فالأَرض أَرض مكة وغيرها إِلا ما جعل الله لأَهل مكة من الأَمن، ولو طمع فيهم هؤلاءِ إِلا أَن فارس لم يملكوا كلهم، وعن ابن عباس، قيل: يا رسول الله مَنِ الناس؟ قال: فارس { فَآوَاكُمْ } ضمكم إِلى حفظه، وأَزال عنكم الضعف وخوف التخطف، وجعل المدينة مأوى لكم تتحصنون فيها عن عدوكم { وَأَيَّدَكُمْ } قواكم { بِنَصْرِهِ } إِياكم على الكفار لمظاهرة الأَنصار، وإِمداد الملائكة فى بدر وغير ذلك { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } ما حل مما ينفعكم سواء كان لذيذا جدا أَو دون ذلك، ومنهن الغنائم والزكاة فإِنهما لم يطبن إِلا لهذه الأُمة { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله على إِنعامه عليكم، ويروى أَنه صلى الله عليه وسلم حاصر قريظة خمسا وعشرين ليلة، عند البيهقى، أَو إِحدى وعشرين، أَو خمس عشرة فأَجهدهم وسأَلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن ينقلهم إِلى إِخوتهم إِلى أَذرعات، أَو أَريحاءَ من أَرض الشام، فقال: لا بل انزلوا على حكم سعد بن معاذ، فقال رئيسهم كعب بن أسيد آمنوا فقد علمتم أَنه رسول الله فى كتابكم تنجوا من القتل والسبى، أَو قتَّلوا أَبناءَكم ونساءَكم واخرجوا إِليه بسيوف مجردة، ولم تتركوا وراءَكم ما تخافون عليه، فقالوا: أَى عيش بعد أَبنائنا ونسائنا. أَو قاتلوهم الليلة لعلهم قد آمنوا منا لأَنها سبت، قالوا: لا نفسد سبتنا لئلا يصيبنا ما أَصاب من تعدى فيه من المسخ، وأَرسلوا إِليه صلى الله عليه وسلم أَن ابعث إِلينا أَبا لبابة، - وهو رفاعة ابن عبد المنذر - نستشيره فى أَمرنا - وكان يناصحهم وفيهم عياله وماله، فأَرسله إِليهم وقد أَبوا النزول على حكم سعد لأَنه لا يناصحهم، فلما رأَوه قام إِليه الرجال والنساء والصبيان يبكون فى وجهه، فرق لهم وقالوا: يا أَبا لبابة أَننزل على حكم محمد؟ قال: نعم - لأَن فيهم عياله وماله - وأَشار بيده إِلى حلقه "إِنه الذبح" - ويروى أَننزل على حكم سعد؟ قال: لا.. إِنه الذبح. قال: وعرفت فى مقامى أَنى خنت الله ورسوله، فربط نفسه إِلى عمود فى المسجد بحبل أَو سلسلة ثقيلة قبل أَن يراه صلى الله عليه وسلم، وحلف أَلا يفكه حتى يتوب الله عليه، وكانت زوجته أَو ابنته، قولان، تحله للصلاة وحاجة الإِنسان ثم تربطه، ستة أ َيام، أَو بضعة عشر - قولان، وكاد يصم ويعمى، وسمعت أَم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتها يضحك. فقالت: "مم تضحك؟ أَضحك الله سنك" قال: تاب الله عز وجل على أَبى لبابة، قالت: أبشره، فقال: إِن شئت. فنادته من باب حجرتها: أَبشر وقد تاب الله عليك. فأَرادوا إِطلاقه، فقال: لا والله حتى يطلقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحله فى ذهابه إِلى الصلاة، ولما اشتد الحصار نزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم فحكم فيهم سعد فجئَ به من بيت امرأَة من أَسلم فى المسجد تداوى الجرحى حسبة على حمار بوطاء، وكان رجلا جسيماً، ولما جاءَ قال صلى الله عليه وسلم: قوموا إِلى سيدكم. فقاموا، فقالوا: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمك فى مواليكم - أَى حلفائك - فقال: تقتل رجالهم، وتقسم أَموالهم، وتسبى ذراريهم ونساؤهم. فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أَرفعة" ، أَى سماوات إِذ رفعت بالنجوم، وقيل: الربط فى غزوة تبوك، ونزل فى أَبى لبابة مروان بن عبد المنذر، أَو اسمه رفاعة وهو الصحيح، وقيل هما رجلان.