التفاسير

< >
عرض

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ
٥٤
-الأنفال

تيسير التفسير

{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } تقدم أَن الدأب العمل المعتاد ويعبر عنه بالطريق، وأَنه الشأن، وفى ذلك كله مداومة { كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ } بعضا بالصيحة وبعضا بالرجفة وبعضا بالخسف وبعضا بالحجارة، وبعضا بذلك أَو بمتعدد منه وبعضا بالمسخ، وبعضا بالريح، وبعضا بالنار، كما أَهلك كفار قريش بالسيف { بِذُنُوبِهِمْ } غيروا فغيرناهم، قال بعض: إِذا فسرنا الدأب بالعمل الدائم فكفروا وكذبوا تفسير له، وإِذا فسرناه بالشأن فكفروا وكذبوا حال بتقدير قد، أَو مستأَنف لتفسير حالهم المؤدية إِلى العقاب، أَى دأْبهم كدأْب آل فرعون، أَو عائد إِلى يغير أَى حتى يغيروا ما بأَنفسهم كتغيير دأب آل فرعون عن حال قبله. كانوا قبل هذا الدأْب على حال سوء، زادوا عليها شرا، وداموا عليه، وهذا تكرير لما قبله للتأكيد فى تفظيع حال كفرة قريش لأَن كفرهم أَعظم من كل كفر لأَنهم كذبوا أَفضل الرسل وأَفضل الكتب الخاتمين، ولأَن الأَول إِخبار عما لا يفعله إِنسان، وهو ضرب الأَدبار والوجوه عند الموت، والثانى عما يعتاد من الناس وهو الإِهلاك والإِغراق، ولأَن فى الأَول إِجمالا والثانى فيه تفصيل بالإِغراق كما قال { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } ولأَن فى الأُولى الكفر بالآيات، وفى الثانية التكذيب زيادة على ما فى الأولى بحسب المفهوم، ولأَن فى السنة ذكر الرب بمعنى المنعم، أَى كذبوا مع إِنعامه عليهم، وقيل: الأَول لتشبيه الكفر والأَخذ به لأَن قوله كفروا فأَخذهم وجه الشبه، والثانى لتشبيه التغيير فى النعمة بسبب تغيير ما بأَنفسهم، وفيه أَن كذبوا إِلخ.. وجه الشبه أَيضا، وخص آل فرعون بالتنصيص - والله أَعلم - لأَنهم يعذبون غدوا وعشيا، فكذلك كفار قريش، والمراد أَغرقنا آل فرعون مع فرعون، وكذا يستلحق بقومه فى كل هذا { وَكُلٌّ } كل أُمة عن الأُمم المكذبة، أَو كل واحد من هؤلاءِ (كَانُوا ظَالِمِينَ) لأَنفسهم بالكفر، ولأَنبيائهم وخلائفهم بالتكذيب، فإِن الأَنبياءَ وخلائفهم يتضررون بالتكذيب، وظالمون الناس بأَلسنتهم وجوارحهم، وخلق الله بالقحط.