التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ
٨
بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ
٩
-التكوير

تيسير التفسير

{ وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ } البنت المثقلة بالتراب بدفنها حية حتى تموت يقال وأده بتقديم الواو على الهمزة أثقله وأوده بتقديم الهمزة على الواو بمعنى أعوجه أو ثقله والمثقل بالحمل يعوج لثقل ما حمل عليه سبحانه وتعالى عن صفات الخلق وكان الجاهلية يدفنون بناتهم خوف الفقر أو لوجوده كما قال الله عز وجل { { خشية إِملاق } [الإسراء: 31] وقال { { من إِملاق } [الأنعام: 151]، والمراد فقرهم وهو الأَظهر أو فقرهن أيضا بعدهم فيلممن بعيب كما روى أنهم يدفنونهن لخوف صدور عيب منهن كزنى وسرقة وقيادة ولقبح خلقتهن وكانوا يقولون الملائكة بنات الله سبحانه فمن كره بنتا قتلها إِلحاقا به وكانت المرأة تلد على حفرة فإِن ولدت بنتاً دفنتها فيها بأَمر ابيها أو برضاه وإِن لم يفعل بها ذلك تركت حتى إِذا كانت سداسية حفر لها فى صحراء وقال لأُمها زينيها نزر بها أحماءها ويقول لها انظرى فى الحفيرة فيدفعها فيها من خلفها ويدفنها ويسوى الأَرض وإِن أراد حياتها ألبسها جبة صوف أو شعر واسترعاها الإِبل والغنم.
{ سُئِلَتْ. بأَي ذَنبٍ قُتِلَتْ } استفهام إِنكار للياقة قتلها وتهديد لقاتلها بلا خطاب له لشدة الغضب عليه وحطه عن درجة الخطاب وبعث لها على القيام بحق نفسها ونصرة لها، ومثل ذلك قوله أأنت قلت للناس الخ، وعن عمر رضى الله عنه
"جاء قيس بن عاصم التميمى إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال وأدت ثمانى بنات فقال - صلى الله عليه وسلم - أعتق عن كل واحدة رقبة قال إِني صاحب إِبل فقال اهد عن كل واحدة بدنة" وذلك ندب لا إِيجاب لأَن الإِسلام يجب ما قبله، ومن العرب من يستقبح ذلك كجد الفرزدق صعصعة ابن ناجية قال يا رسول الله عملت أعمالاً فى الجاهلية هل لى أجر أحييت ثلثمائة وستين من الموؤدة كل بناقتين عشراوين وجمل فقال - صلى الله عليه وسلم - "لك أجر إِذ مَن الله عليك بالإِسلام" وافتخر به الفرزدق وحق له أن يفتخر إِذ قال:

وجدى الذى منع الوائدات فأَحى الوئيد فلم تؤد

فتقول لهذا الحديث حسنات المشرك حال شركه تقبل وسيئاته تغفر إِذا أسلم وأجاز ابن عمر وابن عباس وابو سعيد الخدرى وجابر ابن عبد الله العزل وهو أن يصب النطفة خارج الفرج لئلا تحمل وكذا ابن مسعود واستدلوا بقوله تعالى: { { فأتوا حرثكم أنَّى شئتم } [البقرة: 223]، ولا دليل فيه لأَن معناه فى القبل من جهة البطن أو الظهر ومعنى قدموا لأَنفسكم الخ اتخاذ الولد من النكاح وعن جابر بن عبد الله كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ينزل ولم ينهنا قيل كان اليهود يكرهون العزل ويقولون إِنه الوأد الصغير فنزلت الآية: { { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم } [البقرة: 223]. ولا يصح ذلك والصحيح تحريم العزل لأَن فيه قطع النسل إِلا لموجب مثل تلاحق حمل على حمل فتضرر هى والجنين أو أحدهما، وجاء الحديث أن العزل وأد خفى وهو حرام مطلقا لأَنه قطع للنسل ومشبه بالقتل ولو كانت المرأة حرة ورضيت، وقال الشافعى لا يحرم العزل فى السرية أو الزوجة الأَمة ولو لم ترض بل يكره ولو رضيت لأَنه يمنع من بيعها إِن ولدت وذلك فى مذهبهم وولده من زوجة الأَمة عبد والحق أن الزوجة الأَمة لا يعزل عنها بمجرد إِذن مالكها لأَن لها حق الزوجية فيحتاج إِلى إِذنها وإِذن مالكها وقالوا إِن أذنت الحرة لم يحرم وإِلا فالأَصح أن لا يحرم ولا يعارض ما مر من تشبيه الوأد بالقتل بالرئاء من حيث أنه شبه بالشرك مع أنه ليس له حكمه لأَنا نقول للمرائى حكم المشرك فى العقاب والاستمناء باليد كالوأد وإِباحة بعض لمن خاف الزنى لكن إِذا كان يستحضر فى قلبه من ليست زوجة له ولا سرية حرم والآية دليل على أن الكافر مخاطب بفروع الشرع وأولاد الأَشقياء وولد الزنى والبالغ مجنونا من الكفولية إِلى أن مات وأبوه مشرك فى الجنة خدماً لأَهلها، وحديث الوائدة والموؤدة فى النار موضوع فإِن صح فالمراد أن الموؤدة فى النار بلا ألم تعذب من وأدها كالزبانية وكذا حديث سؤال خديجة عن ولدين ماتا فى الجاهلية فقال فى النار موضوع، أو أرادت بالغين قريبى العهد بالطفولية إِذ لا يستحق النار بلا عمل ذنب ولا ذنب لهم إِذ لم يكلفوا وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ولا نسلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - الله أعلم بما كانوا عاملين لو كانوا عاملين بمعنى أنهم من أهل النار لأَنه ليس المعنى الله يعلم أنهم لو بلغوا لكفروا بل معناه الوقف ولما جاءه أن الله أعطاه إِياهم علم أنهم من أهل الجنة سأَلت ربى فى اللاهين فأَعطانيهم خدماً لأَهل الجنة وهم أطفال المشركين والمنافقين وفى حديث الإِسراء رأى صلى الله عليه وسلم أولاد الناس وأولاد المشركين حول إِبراهيم عليه السلام ولا يصح ما قيل أنهم بين الجنة والنار ولا يصح ما قيل توضع لهم نار من لم يقتحمها جر للنار ومن اقتحمها دخل الجنة لأَن الآخرة ليست دار تكليف وأخطأَ من قال يصيرون تراباً وأطفال من آمنوا يكونون مع آبائهم فى الجنة إِكراماً لهم وأما زجره - صلى الله عليه وسلم - عائشة عن جزمها فى صبى من الأَنصار أنه من أهل الجنة وقوله الله أعلم بما كانوا عاملين لو كانوا يعملون فقبل أن يعلم أن ولد المؤمن تبع له فى الجنة وأن أولاد الأَشقياء فى الجنة خدم لأَهلها.