التفاسير

< >
عرض

فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ
٥
سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ
٦
-الأعلى

تيسير التفسير

{ فَجَعَلَهُ غُثَاءً } يابساً شبيهاً بما يلقيه السيل على جانب الوادى من حشيش ونبات، وقيل وأصل الغياءِ ما اجتمع من أجناس والعرب تسمى الناس المجتمعين من قبائل شتى غثاءَ ولا دليل على ذلك ولعلهم سموهم غثاء تشبيهاً بغثاء السيل { أحْوَى } شديد الحمرة يميل إلى السواد وقيل أسود وهو نعت غثاءِ، وأجاز بعض أنه حال من المرعى على أن يكون شديد الخضرة حتى مال إلى السواد ويرده أنه ليس المرعى من أول أمره أسود ولا كله بعد ذلك ولا خضرته تشبه السواد بخلافه بعد كونه يابساً فقد يسود، وأن الأصل عدم الفصل بين الحال وصاحبها ولو كان الفاصل هنا ليس أجنبياً محضاً لأَن الجعل غثاء يعاقب الإخراج لأَوانه وهو أوانٌ مخصوص يتم فيعقبه الجعل غثاء والترتيب فى كل شىءٍ كما قال ابن هشام بحسبه أو يقدر ومضت مدة فجعله غثاء أحوى، وذكر بعض الهداية المذكورة بقوله تعالى:
{ سَنُقْرِئُكَ } القرآن { فَلاَ تَنسَى } لا تنساه فإن إقراءَه القرآن هداية له ولأُمته والسين للتأكيد والمضارع للحال المستمرة قبل وبعد أو للاستقبال بمعنى نقرئك بعد ما لم نقرئك قبل والمقرىءَ له - صلى الله عليه وسلم - جبريل عليه السلام ولكن أسنده إلى الله تعالى لأَنه أمر جبريل بالإقرار وفيه تلويح إلى قوة قراءَته إذ كانت بإقراءِ الله فلا يتعقبها نسيان مع أنه أمى لا يقرأ كتابة فيكون قوة حفظه معجزة أخرى وراءَ معجزة بلاغة القرآن ومعجزة إخباره بالغيوب، وعن جعفر الصادق كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ الكتابة ولا يكتب وهو خلاف الصحيح المشهور من أنه لا يكتب ولا يقرأ كتابة ثم إن فسر الآية بأَنه يقرأ كتابة بمعنى سنجعلك تقرأ الكتابة نافاه التفريع بالفاءِ، وقيل لا تنسى العمل به، ويجوز أن يراد النهى واللفظ خبر والحكمة فى هذا أنه يؤثر فيه النهى حتى أنه أثر فيه حال النهى فيكون النسيان الترك للفظ أو للعمل أو لهما لأًن النسيان بمعنى الزوال عن الحافظة ضرورى فلا ينهى عنه اللهم إلا باعتبار أسبابه فيكون النهى عنها ومن أراد أن لا ينسى العلم فليعمل به والمعصية من أسباب النسيان:

شكوت إلى وكيع سوءٍ حفظى فأرشدنى إلى ترك المعاصى
فقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يعطى لعاصى

وعن ابن عباس خمس يورثن النسيان أكل التفاح يعنى الحامض وكذا كل حامض، والبول فى الماء الراكد، والحجامة فى نقرة القفا، وإلقاءِ القملة فى الأَرض، وشرب سؤر الفأَر وأكله وزيد قراءَة ما كتب على القبور وأكل الكزبرة والمشى بين الجملين المقطورين والمشى بين المرأتين.