التفاسير

< >
عرض

ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
٢٨
فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي
٢٩
وَٱدْخُلِي جَنَّتِي
٣٠
-الفجر

تيسير التفسير

{ ارْجِعِي } اذهبى وهذا استعمال للمقيد فى المطلق فإن الرجوع ذهاب الشىءِ إِلى ما كان فيه أو عنده قبل فاستعمل فى مطلق الذهاب ولو حيث لم يكن قبل أو الرجوع على ظاهره لكنه عقلى فإِنها كانت فى الدنيا عند الله بالأَعمال وانفصلت عنه باعتبار الأَعمال عند الموت فترجع إِليه بإِكرامه فى الجنة، وقيل كان السعداءِ فى موضع مخصوص لهم بكرامة أو كل واحد فى موضع مخصوص كذلك ثم ينادون منه للحساب فيرجعون إِلى كرمه بالجنة ولو اختلف الكرمان، ويجوز أن يكون المعنى ارجعى عما أنت فيه من خوف الشقاءِ وخوف رد الأَعمال وخوف مناقشة الحساب أو ارجعى إِلى جنة ربك بعد كونك فى ظهر آدم وهو فيها على أن جنة آدم دار السعادة، لا على أنها جنة فى الدنيا أو ارجعى إِلى كرم فى الجنة بعد أن كنت فيها بالروح أو فى القبر بالخير، لأَن خير القبر انقطع بالبعث وبموت الموتى فى قبورهم أربعين عاماً يليها البعث، وقيل النفس الروح وربها جسدها، وقيل ارجعى أيتها الروح إِلى الله بعد ان كنت عنده وهذا عند الموت على أن الأَرواح خلقت قبل الأَجساد أو ارجعى أيتها الروح إِلى الجنة الآن بعد أن كنت ترعين فيها وأنت فى حواصل طير خضر كما شهر فى الحديث، وفى بعض الآثار إِذا مات المؤمن أعطى نصف جنته، وقيل ارجعى إِلى جسدك لسؤال ملكى القبر ذلك بعد الموت { إِلَى رَبِّكِ } إِلى محل كرمه وفى ندائها بذلك تلذيذ لم يسبق بها مثله إِذ نوديت باسم الاطمئنان وإِضافة الرب إِليها مع ما بعد ذلك.
{ راضِيةً } بما تؤتيه من النعم التى لا تنتهى فهو حال مقدرة، وقيل راضية بم نلت من خفة الحساب وقبول الأَعمال أو راضية عن ربك فهو حال مقارنة. { مَّرْضِيَّةً } عند ربك اسم مفعول أصله مرضوية بضم الضاد قلبت الواو ياء وأدغمت الياء وكسرت الضاد للياءِ بعدها وذكر المرضية بعد الراضية ترق لأَن رضى الله أكبر ورضوان من الله أكبر وكذلك جاءَ على الترقى فى قوله تعالى:
{ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } فإِن دخول الجنة أعلى من الدخول فى عباد الله الصالحين، وبالكون منهم والانتظام فى سلكهم، وقيل ذلك فى الدنيا، أمر الله الرحمن الرحيم المؤمن ان يرجع عن كل ما يشغل عن الرب إِلى الرب تعالى أو يرجع إِليه فى كل أُموره وأن يدخل فى المطيعين بالكون منهم قولاً وعملاً واعتقاداً وأن يدخل الجنة بالقوة وإِذا كان المدخول ظرفاً محققاً فالغالب تعدى الدخول إِليه بنفسه أو غير محقق فالغالب التعدى بفى والله أعلم.