التفاسير

< >
عرض

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠٦
-التوبة

تيسير التفسير

{ وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ } الأَصل مرجيون بالياءِ لغة من قال أَرجاه بالأَلف يرجيه بالياء، أَو أَصله مرجئُون بالهمزة لغة من قال أَرجأَه يرجئُه بالهمزة بعد الجيم حذفت تخفيفاً أو قلبت ياءً، فحذفت الياءُ، والإِرجاءَ التأْخير { لأَمْرِ اللهِ } إِلى أَمر الله أَو اللام للتعدية أَو التعليل أَخر الله أَمرهم لأَنهم لم يسارعوا إِلى التوبة كما سارع غيرهم عند رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك { إِمَّا يُعَذّبُهُمْ } بأَن لا يقبل توبتهم فيعذبهم { وإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } يوفقهم إِليها، وهذا تردد مصروف إِلى العباد، والله عالم بما قضى به فى الأَزل، وهو أَنهم تابوا وأَنه يقبل توبتهم، فذلك ترديد من الله للعباد لا تردد كما يذكر أَن تشكيكاً لهم، ولعل وعسى ترجية لهم لا شكاً منه أَو ترجيا منه، والناس ما بين قائِل لا تنزل لهم توبة وقائِل عسى أَن تنزل، فهذا ترددهم، وذلك أَنه تأَخر نزول توبتهم خمسين يوماً من حين يرجع صلى الله عليه وسلم من تبوك إِذ غاب خمسين يوماً. { وَاللهُ عَلِيمٌ } بخلقه وأَحوالهم { حَكِيمٌ } فيما يفعل ودخل هؤُلاءِ المرجون بالأَولى والذات أَو هم المراد وهم ثلاثة: مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال ابن أُمية بضم الهمزة، تخلفوا كسلا وميلا إِلى الراحة لا نفاقاً، ولم يعتذروا كغيرهم تمتعوا فى التخلف فشدد عليهم، تابوا لما رجع من تبوك وعلم بتوبتهم، وقيل اعتذروا ولم يبالغوا فى الاعتذار كما بالغ غيرهم، وكانوا أَصحاب أَموال موسرين، وروى أَنهم قالوا: نحن موسرون، متى شئنا لحقنا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمادوا حتى يئِسوا من اللحوق فندموا، ولكن لم يعتذروا بشدة كأَصحاب السوارى، كأَنهم لم يطمعوا فى قبول التوبة، وروى أَنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لكعب: اعتذر إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا والله حتى تنزل توبتى، وكأَنه آيس من قبوله صلى الله عليه وسلم اعتذاره، وأَما صاحباه فاعتذرا، فقال: ما خلفكما عنى؟ قالا: لا عذر لنا إِلا الخطيئة، ونزلت الآية { وآخرون مرجون لأَمر الله } فنهى الناس عن مجالستهم والتكلم معهم ومن السلام عليهم، وأَمرهم باعتزال نسائِهم وإِرسالهن إِلى أَهليهن، فسأَلته امرأَة هلال أَن تأْتيه بطعامه لأَنه شيخ كبير وأَذن لها فى الطعام خاصة، وجاءَ رجل من الشام بكتاب إِلى كعب يرغبونه فى اللحاق إِلى الشام، وأَنه لم يخلقه الله بدار مهينة، فسجر به التنور وقال: طمع المشركون فىّ لخطيئَتى، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وبكى هلال حتى غشى على بصره، وقد أَخلصوا بنياتهم ونصحوا فى توبتهم فرحمهم الله بقوله: " { وعلى الثلاثة الذين خُلِّفُوا } "[التوبة: 118] إِلخ، فقال صلى الله عليه وسلم: "أَبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أُمك" ، وعن ابن بطال: شدد عليهم لأَن الجهاد فرض عين على أَهل المدينة، لأَنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال، وقيل: الآية فى قوم منافقين يعذبهم إِن أَصروا ويتوب عليهم إِن تابوا، وهو مخالف لما فى الحديث.