التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ
١٧
-التوبة

تيسير التفسير

{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدِ اللهِ } ما ثبت لهم شرعا أَن يعمروها بالدخول والقعود والمكث فيها على أَى حال وبعبادة الله أَو غيره. والمراد بمساجد الله مساجد الإِسلام، ما وجد منها فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمسجد الحرام والمسجد النبوى ومسجد قبا ومساجد اليمن، وما يوجد بعد زمانه صلى الله عليه وسلم، أَو المراد المسجد الحرام وجمع تعظيما كقوله تعالى: " { وإِذ قالت الملائكة يا مريم } " [آل عمران: 42] و " { فَنَادَتْهُ الملائكة } " [آل عمران: 39] و " { رب ارجعون } " [المؤمنون: 99] أَو أَن كل بقعة منه مسجد، أَى موضع سجود، أَو لأَنه قبلة المساجد كلها، وكأَنه كل المساجد، وعامره كعامر المساجد { شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } بالشرك، شهادتهم على أَنفسهم بالكفر إِظهارهم الشرك كعبادة الأَصنام، وتكذيب الرسول، وقولهم: إِنا كافرون بما جئت، وقولهم: نعبد اللات والعزى، وقولهم: لبيك لا شريك لك، إِلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، ولا يجوز أَن يأذن المسلمون لمشرك فى دخول مسجد من مساجد الإِسلام، وأَجاز قومنا أَن يأذن لهم مسلم فى دخوله لحاجة، فإِن دخل بلا إِذن أَو بلا حاجة عزر، ويدل لهم أَنه صلى الله عليه وسلم شد تمامة بن أَتال إِلى سارية فى مسجده وهو كافر، قلنا: فعل ذلك لضرورة، وأَنه نهى بعد ذلك وقبله عن دخوله لما أَسر جماعة من رؤساءِ قريش يوم بدر، ومنهم العباس، أَقبل عليهم نفر من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيرونهم بالشرك، وغلظ على عمه العباس يوبخه بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم. فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا، إِننا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة، ونسقى الحجيج ونفك العانى، فنزل قوله تعالى: "ما كان للمشركين أَن يعمروا مساجد الله شاهدين على أَنفسهم بالكفر" أَى لا يستقيم الجمع بين متنافيين عمارة متعبداته مع الكفر به، وعبادة غيره والكفر بعبادته، وكانت لهم أَصنام تحت جدار الكعبة كلما طافوا طوفة سجدوا للأَصنام، وكانوا يطوفون عراة كراهة أَن يطوفوا فى ثياب عصوا الله فيها، فالآية إِبطال لافتخارهم بما فعلوا من العمارة ونحوها كما افتخر العباس عند التغليظ عليه، وبيان لأَن ذلك كلا عمارة لاقترانه بما يناقضه، وبيان لكونهم على أَخبث حال، إِذ قابلوا أَعز موضع بأَقبح المعاصى { أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } بطلت لا ثواب لها لعدم شرطها وهو التوحيد فلا يعتد بفكهم الأَسير، وإِلباس الكعبة والمحافظة عليها فى الأَبواب، وسقى الحجيج ماء فيه زبيب والطواف، فبطل افتخارهم بتلك الأَعمال { وَفِى النَّارِ } قدم عن متعلقه وهو خالدون للفاصلة، وعلى طريق الاهتمام، ويبعد الحصر على معنى أَن لهم خلودا لا يكون إِلا فى النار كأَنه لم يجر للخلود ذكر قبل، وقوله { هُمْ خَالِدُونَ } معطوف على أُولئك حبطت عطف اسمية على اسمية أَولى من عطفها على فعلية هى حبطت أَعمارهم.