التفاسير

< >
عرض

وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣
-التوبة

تيسير التفسير

{ وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ } المشركين مطلقا والمؤمنين { يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ } أَى وهذا أَذان أَو هؤلاءِ الآيات أَذان، وجعله مبتدأ مخبر عنه بإِلى الناس ضعيف كضعف الإِخبار عن براءَة بالذين، ويجوز عطفه على براءَة إِذا جعلنا براءَة خبر المحذوف. أَى هذه الآيات براءَة وأَذان، لا إِذا جعلنا براءَة مبتدأ خبره إِلى الذين لئلا يلزم الإِخبار عن المبتدأ قبل العطف عليه، ويوم منصوب بأَذان، وليس إِلى الناس خبرا، والحج الأَكبر يوم النحر فى رواية عن على وابن عباس لأَن فيه أَكثر أَعمال الحج، والحج الأَصغر عرفة أَو العمرة لأَنها أَقل أَفعالا من الحج، وقيل: الحج الأَكبر عرفة لحديث "الحج عرفة" ولحديث المسور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوم الحج الأَكبر يوم عرفة" وهو رواية أُخرى عن المسور وابن عباس، ولأَنه من فاته عرفة فاته الحج مع أَنه مبدؤه بعد الإِحرام، وأَما طواف الزيارة فإِنه مع وجوبه مبنى على الإِحرام وعرفة، والفضل فى هذا القول بالكيف وفى الأَول بالكم، ورجح بعضهم الأَول لأَن الإِعلام كان فى العيد فإِن الأَذان ولو كان أَيضا فى مكة لكن فى العيد أَعظم، وكذا كان أَيضا فى مكة لكن هذا أَعظم لتفرغ الناس له أَعظم من تفرغهم فى عرفة، ولأَنه صلى الله عليه وسلم وقف عند الجمرة، ويروى بين الجمرات، فقال: "هذا يوم الحج الأَكبر" ، وقيل: وصف بالأَكبر سواء قلنا أَنه عرفة أَو العيد، لكن لظهور عز الإِسلام فيه عن الشرك، قيل: ولاتفاقه أَيضا عيدًا لأَهل الكتاب، ولاجتماع المشركين والمسلمين فيه، وهو ضعيف إِذ لا يعتبر عيد أَهل الكتاب واجتماع المشركين بعد الإِسلام، ولم يتفق عيد المسلمين واليهود والنصارى قبل ذلك، ولم يتفق إِلى الآن ولعله لا يتفق بعد، وعن مجاهد: يوم الحج الأَكبر أَيام الحج كلها، فاليوم بمعنى الوقت كما يقال يوم الخصب، وليس يوما واحدا، ومن متعلق بأَذان المحذوف نعت لأَذان ولكن إِذا جعل نعتا تعلق يوم باستقرار النعت لا بأَذان، وأَذان بمعنى إِعلام اسم للإِيذان كالأَمان اسم للإِيمان، والعطاء اسم للإِعطاء.. { أَنَّ اللهَ بَرِئٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ } أَى بأَن الله، أَو لا تقدر الباء لتعديه لأَنه بمعنى الإِعلام، والمفعول الأَول محذوف، أَى إِعلام الناس أَن الله برئ من عهد المشركين { وَرَسُولُهُ } عطف على المستتر فى برئ للفصل بينهما أَو يقدر ورسوله برئ، أَو رسوله كذلك، أَو عطف على محل اسم أَن فيكون فى برئ ضمير الله ورسوله، وأَفرد لشبهه بالمصدر، وقال ابن الحاجب: لا يجوز العطف على محل اسم أَن بالفتح لأن الكلام مؤول بالمصدر بحسب العامل بخلاف المكسورة فاسمها كأَنه مرفوع على الابتداءِ لاعتبار حدوث أَن، ولم يقل أَن الله ورسوله بريئان، ليتحمل تلك المعانى، وليذكر براءَة الله وبراءَة رسوله إِذا قدرنا ورسوله برئ أَو ورسوله كذلك، وليس قوله أَن الله برئ من المشركين ورسوله تكريرا لقوله " { براءَة من الله ورسوله } " [التوبة: 1] إِلخ.. لأَن تلك إِخبار لفظا بثبوت البراءَة للناكثين وهذه إِخبار بوجوب الإِعلام بالبراءَة للناس المعاهدين وغيرهم والمسلمين، وروى أَن بعض العامة قرأَ بجر رسوله وسمعه أَعرابى فقال: أَنا برئ من رسول الله إِن برئَ الله منه. فلببه القارئ إِلى عمر فحكى له الأَعرابى الجر، فقال له عمر: إِنما التلاوة ورسوله، فرفع، فقال الأَعرابى: أَنا برئ ممن برئَ الله ورسوله منه، قبح الله ذلك القارئَ، لا تجعلوه إِماماً بعد، وأَمر عمر الناس بتعلم العربية، وروى هذا فى الأَعرابى مع أَبى الأَسود وعلى فوضع على بعض النحو كما شهر، وروى أَن الحسن البصرى قرأَ عمداً بالجر، فإِن صح فقسم أَو على الجوار، ولو فصل العاطف لا على العطف على المشركين فإِن القصد له إِشراك كما أَنكر الأَعرابى { فَإِنْ تُبْتُمْ } من الشرك ونقض العهد، والخطاب بعد الغيبة للتهديد، وذلك مترتب على الأَذان ولذلك قرن بالفاء، وكذا ترتب عليه إِن توليتم إِلخ.. لأَنه عطف على إِن تبتم إِلخ. { فَهُوَ } أَى التوب المعلوم من تبتم، وإِن رجعنا الضمير إِلى التوبة جاز لأَن الخبر مذكر { خَيْرٌ لَكُمْ } من البقاءِ على الشرك فإِن البقاءَ عليه حسن عندهم، أَو خير بمعنى نفع، أَو هو باق على صيغة التفضيل خارج عن معناه، فمعناه فهو حسن والشرك قبيح { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } عن التوبة أَو بقيتم على التولى عن الإِيمان فإِن التولى موجود فلا بد فى شرط التولى من مجاز وهو الثبات عليه، وإِلا لزم تحصيل الحاصل وإِيضاح المجاز أَن الثبات عليه مسبب ولازم بيانى له { فاعْلمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللهِ } بهرب عنه ولا بمقاومة له ولا بقدرة على عذابه وعدم توجع به فى الدنيا لمن قتل وأَسر، فأَما عذاب الآخرة ففى قوله { وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } موجع، على أَن المراد بالذين كفروا من تقدم ذكرهم، وإِن أريد العموم تدخل المذكورون أَولا، وإِن أَريد الأَولون فالتعبير بالظاهر ليذكر علة العذاب وهو الكفر، أَو يطلق نفى الإِعجاز ويراد بالعذاب الأَليم عذاب الدنيا والآخرة، وذكر التبشير فى السوءِ تهكم، وفى قوله "تبتم" طريق التفات من الغيبة إِلى الخطاب بالترغيب فى التوبة، وذلك أَن فى الخطاب لذة للمخاطب - بفتح الطاءِ - وتحببا إِليه، أضو وجه الالتفات تهديدهم على عدم التوبة والتولى عنها وعلى جواز استعمال الكلمة فى معان يفسر بالتلذيذ والتحبب والتهديد جملة أَو توزيعا، بحسب الصلوح.