التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٤٩
-التوبة

تيسير التفسير

{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِى } فى التخلف عن الخروج { وَلاَ تَفْتِنِّى } لعدم الإِذن لى فإِنى إِن لم تأْذن لى وتخلفت كنت مفاتنا لك بالتخلف، أَو لا تكلفنى بالخروج فى هذه الشدة، أَو أَراد فتنة الدين للنبى صلى الله عليه وسلم وهو معصية الله بمخالفتك، لأَنهم قد يراعون أَمر الله فى بعض الأَحيان، أو ذلك من لسانه لا من قلبه، وفى قوله تلويح بأَنه قاعد أُذن له أَو لم يأْذن، إِلا أَنه أَحب أَن يكون قعوده بإِذن، أَو الفتنة ضياع المال والعيال، إِذ لا كافل لهما بعدى، أَو الفتنة ببنات الروم فتنة المعصية أَو فتنة القلب بأَن يزنى بهن قبل القسمة، وإِسناد الفتنة فى ذلك كله إِلى النبى صلى الله عليه وسلم لعلاقة السببية، أَى لا تكن سببا لوقوعى فى الفتنة بعدم الإِذن، والمراد فى ذلك كله الجد بن قيس، وروى أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أَبا وهيب هل لك فى حلاوة بنى الأَصفر أَو فى جلاد بنى الأَصفر، أَى جهادهم يعنى الروم، تتخذون منهم سرايا بيضاً لعسا لم تر مثلهن" ، فقال: ائْذن لى فى القعود ولا تفتنى ببنات الأَصفر، قد علمت الأَنصار أَنى رجل مفرط بالتعلق بالنساءِ فأَخشى أَن أَفتن ببنات الأَصفر بالزنا بهن قبل القسمة. أَو خرج عن محل الكلام، فقال إِنهن يفتننى عن الكسب والجهاد، فإِن هذا قبل الخروج والقسمة لا يتم اعتذار، أَو الأَصفر رجل من الحبشة ملك الروم، فولد له بنات لعس واللعساءُ التى شفتها إِلى السواد، وذلك ملاحة، أَو وقع جيش من الحبشة على نساءِ الروم فولدن أَولاداً صفراً بين البياض والسواد، ويقال بنو الأَصفر ملوك الروم أَولاد أَصفر ابن روم بن عيص بن إِسحاق، ورد الله عليه قوله { أَلاَ فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا } فتنة الدين أَو مفاتنة الرسول سواءٌ أَراد الجد النساءَ أَو غيرهن مما مر، أَو فتنة التخلف أَو إِظهار النفاق، ذكر الفتنة فقابله الله بذكرها سواءً كانت التى أَراد أَم غيرها، والله عالم بمراده، وأَلا تنبيه وتأْكيد لكونه وقع فى الفتنة التى فر منها، مما مرجعه إِلى الدين أَو فى الفتنة الكاملة وهى ما مرجعه إِلى الدين وأَلـ للكمال ومراده غيرها أَوعد الله عز وجل عليه ما وعده فتنة كلا فتنة بالنسبة إِلى فتنة الدين إِذ أَراد هو غيرها، والتقديم للحصر وضمير الجمع له ولأَتباعه أَو للمنافقين مطلقا ذكرهم لذكر واحد منهم، وعلى هذا فالفتنة فتنة الدين بأَى وجه كانت مثل أَن يقال سقطوا بالتخلف { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيَطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } بالكافرين المصرين لا محيد لأَحدهم عنها. والعطف على سقطوا عطف اسمية على فعلية، فينسحب على المعطوفة ما جرى على المعطوف عليها من التنبيه والتأْكيد، ففى المعطوفة تأْكيد بأِلا وبأَل واللام والجملة الاسمية مع ذكر الإِحاطة ففيها ما ليس فى قولك لهم { جهنم } ولا سيما أَن قلنا محيطة بهم من الآن لا حائطة أَسبابها بهم فإِنه آكد من أَن يقال محيطة يوم القيامة، فيجوز أَن يراد بجهنم أَسبابها وملزوماتها تسمية باسم المسبب اللازم باسم السبب الملزوم فيكون اسم الفاعل للحال، كما قيل هو حقيقة. وإن أُريد أَن جهنم ستحيط بهم. فهو للاستقبال، وإِن قيل أَحاطت بهم بنفسها لتحقق الوقوع فهو للحال، وكذا ما قيل إِن أَعمالهم فى الدنيا نار جهنم نفسها ويوم القيامة تظهر صورة هذه النار، وهو وجه فى قوله تعالى " { يأْكلون فى بطونهم ناراً } "[النساء: 10] والكافرون على العموم فيدخل هؤلاء بالحجة هى وجود الكفر فيهم، أَو المراد هؤلاءِ ذكرهم باسم الكفر تشنيعاً عليهم فى دعواهم الإِسلام وللفاصلة.