التفاسير

< >
عرض

فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ
٧٧
-التوبة

تيسير التفسير

{ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت الآية رجل من أَقارب ثعلبة فذهب إِليه فقال: قد نزلت فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أَتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأَله أَن يقبل صدقته. فقال: "إِن الله منعنى أَن أَقبل صدقتك" . فجعل يحثو التراب على رأْسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا عملك قد أَمرتك فلم تعطنى" ، وأَتى أَبا بكر فى خلافته فقال: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أَقبلها، وأَتى عمر فى خلافته فقال له: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أَبو بكر فلا أَقبلها، وأَتى عثمان فى خلافته فلم يقبلها ومات فى خلافته، ولو أَدرك الإِمام عليا لم يقبلها منه كما لم يقبلها من قبله، وهو كأَشدهم عزوفا عن الدنيا ومالها ولذاتها، والواجب أَداءُ الزكاة بطيب نفس أَو بالصبر عليه والاحتساب، والضمير فى أَعقب عائد إِلى البخل أَى أَورثهم، أَو إِلى الله عز وجل أَى صير عاقبتهم نفاقا، يقال: أعقبك الله خيرا أى صير عاقبتك خيرا، وهذا أَولى لعود هاءِ فضله وهاءِ يلقونه إِليه تعالى، قيل ولأَن إِسنَاد إِعقاب النفاق إِلى البخل بعيد لقوله بما أَخلفوا الله ما وعدوه، فإِن الإِخلاف هو بالبخل فكأنه أَعقب البخل نفسه، الجواب أَنه نفاق أَعقب نفاقا آخر، والمعصية تورث معصية. وفى متعلق بنعت محذوف أى راسخا فى قلوبهم، والنفاق فى القلب والنفاق بالجارحة تابع له وأَجاز بعضهم عود الهاءِ من يلقونه للبخل أَى جزاءَ بخلهم والفاءُ فى قوله فأَعقبهم والباءُ فى قوله بما أَخلفوا سببيتان وما مصدرية، أَى بإِخلافهم الله، ويوم القيامة وقت الموت أَو البعث، والذى وعدوا الله به الصلاح وأداءُ حقوق المال والنفل منه، وكذبهم هو خلف الوعد، فذلك تأْكيد لأَن إِخلاف الوعد متضمن للكذب إِلا أَن يقال: الكذب أَولا فى حين نطقوا بالوعد وهو لفظ ونفاقه إِضمار شرك بدليل قراءَة يكذبون، ولو كان حثو التراب على رأْسه يدل على أَن له تصديقا، ويناسب الإِشراك قوله ما هذه إِلا جزية، وقوله ما هذه إِلا أُخت الجزية، ولو أَتى بها بعد، وما مصدرية، والمصدر من الكون الذى له خبر وهو دال على الحدث فيتعلق به الظروف فالتقدير بكونهم يكذبون. هذا هو الحق لا ما قيل أَنه لا يدل على الحدث وأَنه لا يعلق به الظروف وأَن المصدر مما بعده هكذا. ويكذبهم أَلا ترى إلى قوله: (وكونك إِياه عليك يسير) وترجمة مصدره بلى بفتح اللام بلغة البربر، ومن حديث أَبى هريرة مرفوعاً: "آية النفاق ثلاث: إِذا حدث كذب، وإِذا وعد أَخلف، وإِذا أُؤتِمَن خان" . ومن حديث عبدالله بن عمر وابن العاص مرفوعاً: "أَربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خلة ـ وفى رواية خصلة ـ منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إِذا حدث كذب، وإِذا عاهد غدر، وإِذا وعد أَخلف، وإِذا خاصم فجر" ، وهذا ظاهر فى أَن النفاق يطلق فى إِضمار الشرك مع إِظهار التوحيد، وفى الفسق ممن يوحد الله فى قلبه ولسانه، وقومنا لما خصوا النفاق بإِضمار الشرك وإِظهار التوحيد احتاجوا إِلى أَن يقولوا: شبه الفاسق بمن أَظهر الشرك وأَظهر التوحيد وإلى أَن يقول بعض منهم: إِن ذلك فى الفاسق الغالب عليه ذلك وإلى أَن يقول بعض: ذلك فى المنافقين على عهده صلى الله عليه وسلم وإِلى أَن يقول بعض: ذلك فى رجل مخصوص فى عهده، وذلك خبط والحق ما قلت أولا.