التفاسير

< >
عرض

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
٣
-الضحى

تيسير التفسير

{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } ما تركك والتشديد للمبالغة قال المشركون تركه ربه تركاً عظيماً فقال الله عز وجل إن هذا الترك للمبالغة العظيم الذى قالوه غير واقع من غير قصد له تعالى إلاَّ أن الترك غير العظيم وقع أو المبالغة متعلقة بالنفى أى انتفى الترك انتفاء بليغاً أو لما كان الترك مطلقاً أمراً عظيماً شدد أو المراد ما قطعك المودع على أن التوديع استعارة للترك والمشركون لا يثبتونه له - صلى الله عليه وسلم - حالة محبة مع الله تعالى لكن قالوا ذلك تهكماً كأنهم أثبتوها أو ما تركك تركاً كما زعموا لكن تأَخر الوحى لحكمة وقيل ودع بالتشديد بمعنى المخفف { وَمَا قَلَى } ما قلاك ما أبغضك وحذف المفعول به للفاصلة قيل ولئلا يواجهه يذكر البغض ولو بطريق النفى وفيه أنه قد واجهه بذكر الترك بطريق النفى ويجاب بأَن البغض أشد من الترك أو حذف المفعول به للفاصلة وبعض العموم كأنه قيل ما قلاك ولا أصحابك ولا آلك ولا من تحبه ولا من يحبك إلى يوم القيامة والألف عن ياءِ وعن واو بمعنى واحد وهو البغض يقال قلاه يقليه وقليه يقلاه وقلاه يقلوه لما نزل تبت يدا أبى لهب.. الخ قيل لامرأة أبى لهب أم جميل هجاك محمد فأتته جالساً فى الملأَ وقالت علام تهجونى يا محمد؟ فقال والله إنى ما هجوتك ولكن الله هجاك، فقالت هل رأيتنى أحمل حطباً أو فى جيدى حبل من مسد وفتر الوحى فأَتته فقالت والله ما أرى صاحبك إلا ودعك وقلاك فنزل والضحا.. الخ، وروى أنه رمى بحجر فى إصبعه فقال ما أنت إلاَّ إصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت، قاله نثراً وهوموزون شعراً فهو لم يقل الشعر فمكث ليلتين أو ثلاثا فقالت امرأة ما أرى شيطانك إلاَّ تركك فنزل والضحا...الخ والمرأة أم حبيب، وقيل مرض ليلتين أو ثلاثا فجاءَت المرأة فقالت إنى لأَرى شيطانك قد تركك فنزلت وهو الذى فى الصحيحين وذلك أنه لم يخرج إلى الناس أو لم تسمع قراءَته وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - سأَله جمع من اليهود عن أصحاب الكهف والروح وذى القرنين فقال أخبركم غداً ولم يقل إن شاءَ الله ففتر الوحى فقال المشركون ودعه ربه وقلاه فنزلت السورة، وروى أن عثمان أهدى إليه - صلى الله عليه وسلم - عنقود عنب وقيل عدق تمر فأَعطاه سائلاً سأَله فاشتراه عثمان بدرهم فأَهداه إليه - صلى الله عليه وسلم - فسأًله فأَعطاه إلى ثلاث فقال له برفق أسائل أنت يا فلان أم تاجر؟ ففتر الوحى فاستوحش فقالوا ودعه ربه وقلاه فنزلت السورة، وروى أن جرواً دخل تحت سريره - صلى الله عليه وسلم - ومات وفتر الوحى أربعة أيام وقال لخادمته خولة ما حدث فى بيتى انقطع عنى جبريل عليه السلام فقالت أنا فى خير يوم فخرج فكنست البيت ووجدته فأَلقته خارج الدار فرجع يرعد على عادته فى الوحى وقال دثرينى فنزلت السورة وقال جبريل أما علمت أنا لا ادخل بيتاً فيه كلب، وقيل فتر الوحى اثنى عشر يوماً وقيل خمسة عشر وقيل بضعة عشر، وعن ابن عباس خمسا وعشرين وشهر أربعين، وقيل قال لخديجة يشكو إليها ودعنى ربى يا خديجة وقيل قلانى فقالت رضى الله عنها كلاما بدأ بالرسالة ألا وهو يتمها فنزلت وإنما قال ذلك مع علمه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لا يعزل عن النبوة وأن فترة الوحى لحكمته لتدله على خير أو يعلم قدر علمها قيل أو ليعرف الناس أو أراد أنه ودعنى وقلانى فى زعم الكفرة أو فترته تشبه التوديع والقلى ولا يصح هذا كما لا يصح ما قيل أنه اشتد جزعه بفترته فقالت له خديجة ودعك ربك وقلاك لجزعك فنزلت وإن صحَّ فمرادها أن هذا الجزع لا يكون إلا من توديع ربك وقليه وهو لا يودعك ولا يقليك، وقال لجبريل ما جئتنى حتى اشتقت إليك فقال إنى أشد شوقاً إليك ولكنى عبد مأَمور وتلا: { { وما نتنزل إلاَّ بأمر ربك } [مريم: 64].