التفاسير

< >
عرض

وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ
٤
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
٥
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ
٦
-الضحى

تيسير التفسير

{ ولَلآخِرَةُ } الدار الآخرة وهى الجنة أو الحياة الآخرة وهى حياة ما بعد البعث لأنها توصل إلى دخول الجنة أو نفس حياة الجنة { خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُوْلَى وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } المراد بالأولى الدار الأُولى وهى الدنيا أو الحياة الأُولى لعظم نعمها وكثرتها ودوامها وعدم تكدرها بشىءٍ وليست النبوءَة داخلة فى المقابلة ولو كانت مرتبة عظيمة وإن دخلت اعتبر ما لا تخلو عنه من تكدرها بالمعارضين وشدة تمشية أحكامها وكذا فضله على الأنبياء وسائر مزاياه وذكر له ذلك مع أنه لا رغبة له فى نعم الدنيا لأنه محتاج إليها بالضرورة ويدعو بالرزق قال - صلى الله عليه وسلم - "عرض علي ما يُفتح لأُمتي بعدي فسرني" فأَنزل الله تعالى وللآخرة خير لك من الأولى ويقال ما له فى الآخرة أفضل من جميع ما لغيره من جميع أهل الجنة وإن شئت فالتقابل بين النعم الدينية كنعمة النبوة والرسالة والشرف على الأَنبياءِ وإِنفاذ أمر الدين وذلك مكدر بهموم الدنيا وأحزانها وتعطيل المعطلين ولا بد أن ظهور شرفه فى الآخرة بالرسالة والرياسة على أهل المحشر من الأَنبياءِ وغيرهم والوسيلة وشرف أُمته على الأُمم وشهادتهم عليها ورفع درجتهم أشرف من الشرف الدينى المذكور الذى فى الدنيا، ويجوز أن يكون المراد بدأه أمره الدينيى فى الدنيا وآخره فيها فإنه ما زال يزداد قوة فى الدين وإنفاذاً له ولما قال الله تعالى: { ما ودعك ربك وما قلى }، حصل له سرور فقال الله تعالى له مالك فى الآخرة أعظم من ذلك لأَن فيها إنفاذ ثمرة عدم التوديع والقلى، ويجوز أن يكون المعنى أن العزل عن النبوة لا يكون إلاَّ بالموت ولك بعد الموت ما هو أفضل والذى يعطيه الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو تكميل الدين وتقويته والفتوح فى عصره وبعده وكثرة المؤمنين وماله فى الآخرة من الكرامات، وقيل فتح مكة وغيره مما فى الدنيا، والعموم أولى وعن الجمهور أنه الشفاعة، وعن محمد بن الحنفية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اشفع لأُمتى حتى ينادينى ربى أرضيت يا محمد فأقول نعم يا رب رضيت وأرجى آية: ولسوف يعطيك ربك فترضى، لا ما تقولون يا أهل العراق أرجى آية قوله تعالى: { { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم .. } [الزمر: 53] الخ، وقيل أعم من الشفاعة وغيرها وعن على ألا أُنبئكم بأَرجى آية فى كتاب الله تعالى قالوا بلى، فقرأ قوله تعالى { { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } [الشورى: 30] فالمصائب بكسب الأوزار فإذا عاقبه الله فى الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانياً وإذا عفا عنه فى الدنيا فهو أكرم من أن يعذبه فى الآخرة، وعنه - صلى الله عليه وسلم -" "ما يصيب المؤمن مصيبة حتى شوكة فما فوقها إلاَّ حط الله عنه بها خطيئة " ، وقيل أرجى آية فى القرآن قوله تعالى: { { أَنَّ العذاب على من كذب وتولى } [طه: 48]، أى يجزم بالعذاب على المشرك فقط وأما الموحد فقد يغفر له ولو أصر وهذا ليس بمذهبنا وهو باطل وذلك مذهب المرجئة جزموا بذلك وعمموا، وأما الأشعرية فبعض قال بالجواز دون الوقوع وبعض قال يقع ذلك لبعض المصرين، دخل - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة رضى الله عنها تطحن وعليها ثوب من جلد بعير أى من وبره أو من نفس الجلد فقال يا فاطمة تعجلى مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً، ورق لها فأنزل الله عز وجل ولسوف يعطيك ربك فترضى، وعن ابن عباس فى هذه الآية أعطاه الله ألف قصر من لؤلؤ ترابه المسك فى كل قصر أزواج وخدم على قدر ما يليق، قال عبد الله بن عمرو بن العاص تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول الله تعالى فى ابراهيم { { فمن تبعني فإِنه مني } [إبراهيم: 36] وقوله فى عيسى { { إِنْ تعذبهم فإِنهم عبادك } [المائدة: 118] فرفع يديه وقال "اللهم أُمتي أُمتي وبكى فقال الله تعالى لجبريل إِذهب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال له ما يبكيك إِنا سنرضيك في أُمتك ولا نسوءَك" ، وفى الصحيحين عن أبى هريرة مرفوعاً "لكل نبي دعوة مستجابة تعجلها واختبأَت دعوتي شفاعة لأُمتي يوم القيامة تنال من لا يشرك بالله شيئاً" ، وفى الترمذى عن عوف بن مالك "أتاني آتٍ من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أُمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة فهي نائلة إِن شاءَ الله تعالى من لا يشرك بالله شيئاً" ، واستدل الله تعالى له على الإعطاءِ والإرضاءِ بقوله:
{ ألَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى } إلى فأَغنى، يقول كما أنعمت عليك فيما مضى من حين ولدت كذلك ينعم عليك بعد فى الدنيا والآخرة والاستفهام لنفى النفى فثبت وجود الله عز وجل إياه يتيماً وإيواؤه أى علمه بيتمه فيتيماً مفعول ثان أو ملاقاته أى تعلق علمه بأنه موجود فيكون مجازاً تعالى عن حقيقة الملاقاة فيتيماً حال وأصل وجد صادف ولقى ولزم من ملاقاته العلم به فصار يعبر به عن العلم واليتم من صفات الصبى قبل البلوغ فهو انقطاعه قبل البلوغ عن أبيه بموت أبيه تحقيقاً أو لحكم بموت أبيه فى الفقد أو الغيبة، وقيل يتيماً فاقد المعلم فإن الأَب ثلاثة من علمك ومن زوجك ومن ولدى وحذف معمولى أوى للعلم بهما والفاصلة لتكون الفواصل على طريقة واحدة من أول السورة إلى أغنى وإلاَّ فلو قيل فإلى كافل آواك ووجدك ضالا فهداك ووجدك عائلاً فأَغناك لاتفقت هؤلاءِ الفواصل الثلاث أى فضمك إلى حليمة وزوجها وجده عبد المطلب وعمه أبى طالب بعث عبد المطلب ابنه عبد الله أبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ليشترى تمراً ومات وهو - صلى الله عليه وسلم - على ستة أشهر فى بطن أُمه وماتت أمه وهو ابن ست سنين وجده وهو ابن ثمان فكفله عمه أو بطالب بوصية أبيه عبد المطلب ويقال مات أبوه وهو فى البطن وكفله جده عبد المطلب ومات عبد المطلب وكفله عمه أوبطالب وتزوج خديجة بعد ذلك ذات مال، وقيل ماتت أُمه وهو ابن ثمان فكفله عمه وقال لأَخيه العباس لا يرى أحد عورة محمد لشدة ستره ولا توجد منه كذبة ولا ضحكة ولا لعبة مع الصبيان ولا ما يكره عاقل وكنا لا نسمى على الطعام والشراب ولا نحمد وكان يقول فى أول طعامه وشرابه بسم الله الأَحد وإذا فرغ قال الحمد لله وكنت أعجب منه، وقيل يتيماً درة يتيمة أى لا نظير لها أى لا نظير لك فى قريش فآواك إليه وجعلك فى صدفة اصطفاه وهذا التفسير ومثله فى القرآن مما لا يجوز.