التفاسير

< >
عرض

وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
-الضحى

تيسير التفسير

{ وَوَجَدَكَ } مثل ما مر { ضَآلاًّ } عن الشرع أى لم يكن عندك ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان وإن كنت من قبله لمن الغافلين، وعلمك ما لم تكن تعلم وقيل وجدك بين أهل الضلال، ولا يجوز تفسير هذا الضلال بالكون على دين قومه لأًنه لا يجوز على الأنبياءِ الشرك والكبائر والمعاصى وهو قد شرح صدره فى صغره مراراً واختبره بحيرا بالسؤال باللات والعزى فقال لا شىء أبغض إلىَّ منهما أو استحلفه بهما اختباراً له فأَجابه بذلك وذلك أنه رأى فيه علامات النبوة ولو كان على دين قومه أربعين سنة أو أقل لعابوه به إذا أمرهم بالتوحيد وأمر الإسلام وفى نهر ابى حيان وبحره أنه رأى فى المنام أنه على حذف مضاف أى وجد رهطك ضلالاً فهداهم وفيه مخالفة لما قبل وما بعد لكن يسوغها أن هداية رهطه نفع له فى الدين.
{ فَهَدَى } هداك إليه وقيل ضل فى الأرض فى شعاب مكة فرآه أبو جهل لعنه الله عز وجل وقد انصرف من أغنامه فأركبه خلفه على ناقته فأبت أن تقوم، فحوله أمامه فقامت فرده إلى جده وهو متضرع إلى الله تعالى متعلق بأستار الكعبة أن يرده إليه وهذا على يد فرعون الأُمة شبه رد موسى عليه السلام إلى اُمه على يد فرعون، وضل أيضاً وتضرع عبدالمطلب إلى الله تعالى وطاف سبعا فسمعوا نداء من السماءِ يا معشر الناس إن لمحمد رباً لا يخذله هو بوادى تهامة عند سمرة فركب عبد المطلب وورقة بن نوفل فوجداه تحت السمرة يلعب بالأغصان والأَوراق، وعن سعيد بن جبير سافر مع أبى طالب إلى الشام فأَخذ إبليس لعنه الله فى ليلة ظلماءِ بزمام ناقة هو عليها فنفخ جبريل عليه السلام إبليس نفخه ألقته بالحبشة ورد النافة إلى القافلة، وقيل ضل عن حليمة عند باب مكة لما ردته بعد الفطام إلى عبد المطلب ولا يخفى أن الامتنان على الأَولياءِ والأَنبياءِ ولا سيما نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأَمر الدين أولى من الامتنان بأمر الدنيا كالإنقاذ من الضلال فى الأرض فما تقدم من التفسير بأمر الدين أولى ومنه قول الجنيد وجدك متحيراً فى بيان الكتاب المنزل عليك فهداك لبيانه لكن ما هذا التحير، وقيل وجدك فى غار حراءَ متحيراً تطلب ما تتوجه به إلى ربك وسهل التفسير بأمر الدنيا أنه عنوان وشهادة للخير الأخروى كما مر، وقيل وجدك كضال بشد اللام أى شجرة فى صحراء لا شجرة حولها وهو تشبيه بليغ بمعنى وجدك منفرداً فهدى الناس إليك أى أمر الدين، وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سأَلت ربى مسألة وددت أنى لم أكن سألت قلت: يا رب إنك أتيت سليمان بن داود ملكاً عظيماً وأتيت فلانا كذا وفلاناً كذا قال يا محمد ألم أجدك يتيماً فآويتك قلت بلى يا رب، قال ألم أجدك ضالاً فهديتك، قلت بلى يا رب قال ألم أجدك عائلاً فأَغنيتك، قلت بلى يا رب، قال ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك قلت بلى يا رب، والمن جائز فى حق الله تعالى لأَنه مالك كل شىءِ ولا يستحق خلقه شيئاً إلآَّ فضلاً منه تعالى، والمراد بمنه تقوية قلبه والإطماع فى الزيادة والإبقاءِ فالامتنان نعمة أخرة وهبة أخرى وتحصل فى مفعول هدى ثلاثة أوجه هداك وهدى الناس وهداهم أى رهطك كما مر فى رؤيا أبى حيان وجملة وجد، الخ معطوفة على لم وما بعدها فتسلط عليها الاستفهام بالهمزة المذكورة دون النفى كأنه قيل وهل وجدك وقيل أو على مدخول لم فيتسلط عليها الاستفهام والنفى المذكوران كأنه قيل ألم يجدك وفيه عطف الماضى وما معه على ما بعد لم مع أن لم تدخل على ماض فاغتفر فى الثانى ما لم يغتفر فى الأول وكذا قوله تعالى:
{ وَوَجَدَكَ عَائِلاً } فقيراً وقيل ذا عيال ويرده أنه فى أول أمره ليس ذا عيال والصحيح الأول ويدل له قراءة ابن مسعود ووجدك عديماً أى فقيراً والتأويل بأَنك ستكون ذا عيال تكلف.
{ فَأغْنَى } أغناك بمال خديجة رضى الله عنها، ويروى أنها وهبت له مالها كله وهو كثير لئلا يقال أنه فقير وأنه عاش بمال زوجه ونحو ذلك وأغناك بمال الصديق رضى الله عنه ويروى أنه أعطاه ماله كله فقال - صلى الله عليه وسلم -
"ما تركت لأهلك فقال تركت لهم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -" وقيل أغناك بالغنائم ولا يصح لأن السورة مكية، وقيل أغنى قلبك ومن عدم القناعة لم يفده المال غنى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" ، رواه أبو هريرة وهو فى البخارى، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما أتاه" وقيل أغناك بالافتقار إليه قال - صلى الله عليه وسلم - " اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناءِ عنك" .