التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
-الشرح

تيسير التفسير

{ ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ } قدم لك فى الموضعين وعنك للفاصلة ولتعجيل المسرة والتشويق إلى ما بعد { صَدْرَكَ } قلبك تسمية للحال باسم المحل إلاَّ أن تسميه القلب حالاً مجازاً إذ شبه لتعلقه بمحله بما حدث فى الصدر بعد وجود الصدر والله عز وجل خلق الصدر والقلب معاً لا الصدر قبل القلب اللهم إلاَّ إن اعتبر تنوير القلب وشرحه بأنهما حدثا بعد وجود الصدر فعد قلبه قبلهما كالعدم وكالحادث بعد حدوثهما ومعنى شرح القلب توسيعه توسيعاً معقولاً غير محسوس بأن جعله يقبل الشريعة ويحبها ويرغب فيها لا نافرا عنها كارهاً لها وذلك استعارة بحسب اللغة حتى صار حقيقة عرفية خاصة أعنى عرف الشرع والقلب منزل للوحى فهو منزل شريف واسع ومن شأن المنزل الشريف توسيع رحبة حول تَكميلاً له ولذلك كانت العبارة بتوسيع الصدر والصدر كالرحبة للقلب الذى هو منزل شريف ويشار بذلك إلى كثرة الوارد عليه من المعارف الدينية ومن شأن المنزل ورحبته أن يعمر أو قد احتوى على العلوم الموحاة وما يتأَثر به من الأنوار وقبل المعنى ألم نزل همك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا حتى هان عليك ما تؤذى به على تبليغ الوحى، وقيل المراد تليين قلبه بالإيمان والوعظ الوحى بعد ما كان يشق عليك، وقيل المراد تليين قلبه بالإيمان والوعظ والعلم والنبوة والحكمة، وعن ابن عباس أن الشرح إشارة إلى شق صدره حين كان عند حليمة كما شهر فى السير شقة جبريل فأخرج علقة سوداء هى حظ الشيطان منه وهى الغل والحسد فغسل قلبه بماء زمزم ورده وصار كما كان أول، قال أنس وإنى أرى أثر الشق على صدره ففى رواية ردته خشية عليه وإنها لحريصة على الرجوع به بعد ما ردته حتى قالت أخشى عليه وباءَ مكة، وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال "أول ما رأيت من أمر النبوة أني لفي صحراءِ ابن عشرين سنة وأشهر إذْ نزل رجلان بوجوه وأرواح وثياب ما رأيت مثل ذلك لأَحد قط فأَخذ كل واحد بعضد وشق أحدهما صدري وأخرج علقة وقالا: إنها الغل والحسد وأدخل شيئاً كالفضة وقالا: إنه الرأفة والرحمة" ، ويروى "أني لفي صحراءٍ واسعة ابن عشر سنين إذْ نزل عليّ رجلان فشق أحدهما بطني.." الخ، ويروى أن جبريل وميكائيل شقا صدره فى غار حراء وغسلاه ثم قال { { اقرأ باسم ربك } [العلق: 1] إلى { { ما لم يعلم } [العلق: 5] وشق صدره أيضاً فى ليلة الإسراءِ فى الأرض ثم جىءَ بالبراق فركبه، فنقول وقع ذلك كله وما تقدم على النبوة تمهيد لها، وما بعدها زيادة تكميل ونؤمن بذلك ولا نؤَوله بالإلهام الخير كما زعم بعض ولا يلزم تفسير الآية به بل بما مر وليس قول ابن عباس المذكور آنفاً أن الآية إشارة إلى شق الصدر نصاً فى أنها بمعنى الشق بل ظاهره أنها غيره إذ قال إشارة وليس بعيداً أن يُطبع الحسد والغل فى علقة كما يطبع الشىء فى القلب فأزيلا بزوالها. ومن أجاز تجسيم الأعراض أجاز أن يكونا نفس العلقة.