التفاسير

< >
عرض

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ
١
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ
٢
-العلق

تيسير التفسير

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } إلى قوله تعالى { { ما لم يعلم } [العلق: 5] وتأَخر ما بعد ذلك وذلك خمس آيات هن أول ما نزل وهن بمرة وشهر أنه غطه فى غار حراءِ حتى بلغ الجهد فقال اقرأ فقال ما أنا بقارىء ثم غطه كذلك وفى الثالثة غطه وشهر أنه بلغ الجهد فى الثالثة، وفى البخارى ومسلم أنه بلغ الجهد فى الثلاثة وقال اقرأ ولو كان أول ما نزل فاتحة الكتاب كما قيل لكان قوله ما أنا بقارىء كذباً وعناداً حاشاه عنهما ولو صح لقلنا إن الفاتحة أول ما نزل جملة أو أول ما نزل متتابعاً لم يفصله غيره أو أول ما نزل فى رسالته المتأخرة عن نبوته بثلاث سنين كما قال جابر بن زيد رضى الله عنه أول ما نزل اقرأ ثم يا أيها المزمل ثم يا أيها المدثر ثم الفاتحة وقيل يا أيها المدثر قبل يا أيها المزمل وأول ما بدىءَ من الوحى الرؤيا الصادقة كفلق الصبح وحبب إليه الخلاء بغار حراءِ يتزود إليه لأَيام وأوحى إليه فيه فرجع إلى خديجة رضى الله عنها يرجف فقال إنى خشيت على نفسى فقالت كلا إنك تصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر فأَتت به ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد ابن عبد العزى كان كبير السن وعمى وتنصر وكتب من التوراة والإنجيل فقالت يا ابن عمى انظر ما يقول ابن أخيك فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما رأى فقال هذا مثل ما أوحى إلى موسى يا ليتنى كنت شاباً إذا أخرجك قومك، قال: أو مخرجى هم قال نعم ما أتى أحد بمثلما أتيته إلاَّ عودى وإن أدركتنى لأَنصرك نصراً شديداً، وفتر الوحى حتى حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يذهب إلى الجبل ليلقى نفسه وكلما فعل قال له جبريل وهو فى صورته التى رآه عليها أنت رسول الله حقاً فيرجع، ومعنى يكسب المعدوم بضم الياءِ التحتية وضم الدال بعدها واو يجعل من لم يكن عنده شىءٍ كاسباً بأَن يعطيه، وانظر كيف يلقى نفسه من الجبل الجواب إنه يصير بصورة من يلقى نفسه فى العاقبة بحسب الظن لشدَّة ولهه ولما مضت ثلاث سنين بعد قصة حراء جاءَه جبريل بها فمجيئه "فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءَني بحراء جالس على كرسي بين السماءِ والأرض فرعبت فقلت زملوني" فأَنزل الله تعالى { { يا أيها المدثر قم فأَنذر } [المدثر: 1 -2] إلى { { فاهجر } [المدثر: 5] فالتزمل والتدثر فى قصة واحدة أعنى أنه تلقيت واحد المفعول محذوف أى اقرأ ما يوحى إليك من القرآن وباسم ربك متعلق بكون خاص محذوف أى مقترناً باسم ربك أو مستعيناً باسمِ ربك على تلقى الوحى أو مبتدئا باسم ربك أو ملتبسا باسم ربك وذلك عموم فى التذكير بأسماء الله بأَن يستصحبها وقيل المراد البسملة يقرأها أول كل سورة غير التوبة فعلى هذا نزلت هذه بلا بسملة ثم أنزلت أولها وأول كل سورة وقيل الباء صلة أى اقرأ باسم ربك، وعن عكرمة والحسن وأول ما نزل بسم الله الرحمن الرحيم وأول سورة اقرأ وليس قول جبريل فى حراء اقرأ تكليفاً بالمحال الذى لا يطاقَ لأَن المراد بقوله اقرأ استعد للقراءَة لما سأَلقيه عليك وهو قوله اقرأ باسم ربك والمراد اقرأ بلسانك لا ما قيل اقرأ هذا المكتوب مشيراً إلى كتابة فى نمط من ديباج فيه اقرأ باسم إلى ما لم يعلم كما قيل وإن صح فليس المراد اقرأ من الكتابة بل من لسانك وكذا لا دليل فيه على تأخير البيان عن وقت الخطاب المعبر عنه بوقت الحاجة لما علمت أن المراد استعد للقراءَة.
{ الَّذِي خَلَقَ } نبهه بأَول النعم على قدرته تعالى على تعليم القرآن بأَلطف وجه أو باسم ربك الذى خلق لا بأسماءِ أرباب فى زعم أصحابها التى لا تخلق وهى الأصنام فإنهم يسمونها أرباباً لكن يعتقدون أنها تخلق ولا مفعول له لأن المعنى الذى قدر على الخلق أو الذى له الخلق أو الذى من شأنه الخلق أو له مفعول خاص أى خلق الإنسان أو عام أى خلق كل شىءٍ ويكون قوله:
{ خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } ذكر للخاص لمزيته وشرفه بعد التعليق للقدرة والإمكان أو بعد الإبهام إن قدرنا خلق الإنسان أو بعد العموم الصالح بكل ما يمكن فإنه أشرف المخلوقات مع أن التنزيل إليه وفيه من بدائع الصنع ما ليس فى غيره من الحيوانات ولا يخفى أن البيان بعد الإبهام أو الإجمال أدخل فى النفس وفى الآية تلويح بأَن الإنسان خلق للقراءة والدراية إذ ذكر مع الأَمر بهما كما ذكر بذلك فى قوله عز وجل
{ { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان } [الرحمن: 1 - 3] وإن كل ما سوى الله وصفاته مخلوق حتى القرآن، والإنسان دون القرآن ولا مانع من ذكر خاص بعد إجمال أو إبهام شامل لخاص مثله أو أفضل نحو مات المؤمنون حتى أبو بكر فإن فى الناس من هو فوق أبى بكر، والعلق الدم الجامد خص هذا الطور دون النطفة والمضغة وما بعدها للفاصلة وإلاَّ فالخلق من التراب والنطفة أدل على القدرة لأنهما أبعد من الإنسانية ولا يقال لم يذكر مادة الأَصل الذى هو آدم وهى التراب لأن خلقه من ذلك لم يكن متقرراً عند الكفار فذكر مادة الفرع وهى العلقة تقريباً لإفهامهم لأَنا نقول قد ذكر فى غير موضع أنكم خلقتم من تراب أى بواسطة خلق أبيكم منه إلاَّ أن يقال خلقتم مما هو من تراب وهو الطعام وأيضاً قد يقال بإذا لم يقرب إلى أفهامهم خلقه من نطفة أو مضغة وقد يقال العلقة أقرب إلى اللحم وتوجد فى اللحم فهى أولى من النطفة وأسبق من المضغة فبدىء بها للبيان أو خص ذكر العلقة تذكيراً للعلقة التى أخرجت منه عند شق صدره - صلى الله عليه وسلم - ليتهيأَ لهذه القراءَة وتوابعها علماً وعملاً.