التفاسير

< >
عرض

لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ
١
-البينة

تيسير التفسير

{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الْكِتَابِ } اليهود والنصارى عبر عنهم أهل الكتاب تشنيعا عليهم أن الله عز وجل أنعم عليهم بكتبه فخالفوها وكفروا بها تارة صراحاً وتارة ضمناً وبما فيها من ذكر رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وكتابه القرآن الكريم وأشركوا بقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله وأنه إله، وألحدوا أيضاً فى صفات الله وإيراد الصلة فعلاً وفاعلاً إذ لم يقل لم يكن الكافرون من أهل الكتاب باسم الفاعل الدال على الثبوت لأن كفرهم حادث بعد أنبيائهم ومن للتبعيض لأَن منهم من لم يكفر وعد منهم الملكانية من النصارى فقيل إنهم على الحق بعد بعثه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ أن كفروا به - صلى الله عليه وسلم - قيل ولو جعلنا من للبيان أى لم يكن الذين كفروا وهم أهل الكتاب لزم أنهم مشركون قلنا هى للبيان وكلهم مشركون إذ كفروا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فإن وجد شاذاً وحدث كعبد الله بن سلام فليس الكلام فيه، وعن ابن عباس المراد بأَهل الكتاب من أعمال المدينة قريظة والنضير وقينقاع.
{ وَالْمُشْرِكينَ } بعبادة الأصنام أو غيرها كالنجوم والبقر أو إنكار الله أو بعدم معرفته أو بإنكار نبى أو كتاب أو بعضه، وعن ابن عباس كفار مكة والمدينة ومن حولهما من العرب والعطف على أهل الكتاب ولو كانت من للتبعيض ولا يلزم التبعيض فى المشركين لأن المعنى بعض أهل الكتاب وكل المشركين، وقيل المراد بهم أهل الكتاب تنزيلا لتغاير الصفات منزلة تغاير الذات كأنه قيل لم يكن الذين كفروا المتصفون بأنهم أهل كتاب وبأنهم مشركون قلنا هذا خلاف الأَصل إنما يرتكب لداع صحيح ولأن التأسيس المحض أولى من التكرير وما يلتحق به.
{ مُنفَكِينَ } عن الكفر مفارقين للكفر ومنفكين اسم فاعل انفك الذى لا خبر له ولا دليل ولا داعى إلى جعلها ذات خبر محذوف أى واعدين اتباع الحق والحذف خلاف الأصل وخبر باب كان لا يحذف فى السعة. { حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ } قيل متعلق بمنفكين والظاهر أن يتعلق بلم أى انتفى انفكاكهم إلى إتيان البينة والبينة الحجة سمى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبالغة كأَن ذاته نفس الحجة مع أن الحجة ما ينطق به لسانه عن الله تعالى، أو يقدر ذو البينة، وقيل البينة وصف بمعنى المبين للحق ولا يعرف أن البينة بمعنى المبين ولو صح لكانت التاءِ للمبالغة وليس هذا مما تقاس فيه تاءَ المبالغة، أو البينة القرآن لأَنه مبين للحق ولأَنه كبينة المدعى أى شهوده فيكون رسول بدل اشتمال أو كل على حذف مضاف أى كتاب رسول الله أو بينة رسول أو موحى رسول أو خبراً لمحذوف أى هو رسول أى القرآن أى كتاب رسول أو بينة رسول أو موحى رسول أو معنى الآية أنهم لا يزالون عن الكفر ويتصل كفرهم بمجىء الرسول وليس المراد أن كفرهم ينتهى إذا جاءَتهم البينة ولما جاءَ كان الحق أن يزولوا عن الكفر ولم يزولوا بل ازدادوا كفراً وتفرقوا فيه فكل طائفة تكفر به نوع كفر وما تفرقوا هذا التفرق قبل مجيئه لأَن كفرهم قبل مجيئه ليس كفراً فيه - صلى الله عليه وسلم - وذلك شامل لقول اليهود المذكور وشامل لقول المشركين من قريش ومن يتصل بهم إنا ندوم على ما نحن عليه حتى يجىء نبى آخر الزمان كما تقول اليهود أنه يجىء وكما يقول ورقه وزيد ابن نفيل وغيرهما أنه يجىء من قريش بل من بنى هاشم بل من بنى عبد المطلب وكما سمى جماعة أبناءهم محمداً رجاءَ أن يكونوه وانتشر ذلك فيهم ولما جاءَ تفرقوا فيه بأنواع الكفر والحاصل أنه ما فرقهم عن الحق الذى انتظروه ولا أقرهم على الباطل والكفر إلاَّ مجىء الرسول الذى انتظروه أن يؤمنوا به وهذا لإفادته أولى من أن يقال طوى حال المشركين لعلمه بالأُولى من حال اليهود، وأما حال النصارى وقد شملهم لفظ أوتوا الكتاب فهو مثل حال اليهود سواء فاجتماعهم وافتراقهم واحد، وقيل معنى الآية ما تفرق الذين أوتوا الكتاب فآمن بعض وعاند بعض مع علمه الحق إلاَّ من بعد ما جاءَتهم البينة.