التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
٨
-الزلزلة

تيسير التفسير

مثقال الذرة ما يزل ثقلها والذرة النملة الصغيرة الحمراء تجرى بعد عام أو الجزء الدقيق الذى لا يرى إلاَّ فى ضوء الشمس من مضيق أو ما يلصق باليد اليابسة من التراب اليابس بعد النفخ عليها كما روى عن ابن عباس وهو تفسير بالقلة لا بالمعنى الموضوع فى اللغة والنصب على التمييز وأجيز على الإبدال من مثقال وفيه تعميم للقلة والكثرة بعد التقليل الذى هو مقصود الآية فهو ضعيف والمراد الجزاء القليل والكثير فرؤيته رؤية جزائه على حذف مضاف وذلك بحسب ما ختم عمله فالسعيد يرى ثواب عمله الصالح كله إذا لم يمت مصراً وسيئاته كلها محبطة، والشقى يرى عقاب سيئاته كلها مبطلة بإصراره كأنه قيل خيراً يره إن لم يحبط وشراً يره إن لم يكفر بدليل الآى الآخر قال الله تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا وقال عز وجل: { { أُولئك الذين ليس لهم } [هود: 16] وقال الله تعالى: { { مثل الذين كفروا } [البقرة: 171، إبراهيم: 18] الآيات، قال الله عز وجل { فلا يخفف عنهم العذاب }، وقال عز وجل: { زدناهم عذاباً فوق العذاب... } [النحل: 88] إلخ وقال سبحانه وتعالى: { { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه.. } [النساء: 31] إلخ، وعبارة بعض من الأُولى للسعداءِ والثانية للأَشقياءِ وذلك تفصيل لصدور الناس اشتاتاً كقوله عز وجل: { { فريق في الجنة وفريق في السعير } [الشورى: 7]، وقيل بعموم من فى الموضعين فى الدنيا والآخرة فالمؤمن يرى جزاءَ خيره فى الآخرة وجزاءَ شره فى الدنيا فى نفسه وماله وأهله والكافر يرى جزاءَ خيره فى الدنيا فى نفسه وأهله وماله وجزاءَ شره فى الآخرة حتى يوافى المؤمن الآخرة وليس له فيها شر والكافر ليس له فيها خير، وكذلك قال محمد بن كعب القرظى لما نزلت الآية وكان الصديق رضى الله عنه يأكل مع النبى - صلى الله عليه وسلم - وأمسك عن الأكل فقال يا رسول الله إنى لراءِ ما عملت من مثقال ذرة من شر قال نعم أرأيت ما ترى فى الدنيا مما تكره فبما قيل ذر الشر ويدخر لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة من عمل منكم خيراً فجزاؤه فى الآخرة ومن عمل منكم شراً يره فى الدنيا مصيبات وأمراضاً ومن يكن فيه مثقال ذرة من خير، أى لم يحبطها دخل الجنة، وعن ابن عباس المعنى يرى المؤمن يوم القيامة حسناته وسيئاته فتغفر له ويثاب بحسناته ويرى الكافر سيئاته وحسناته فترد عليه ويعاقب بسيئاته قال الله تعالى: { { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } [الأنبياء: 47] ولا يخفى أن الظاهر عموم من ورؤية الجزاءِ وكون ذلك فى الآخرة، وسمع الربيع بن خيتم الحسن يقرأ الآية فقال هذه نهاية الموعظة، وروى أن جد الفرزدق جاءَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقرأه فأقرأه السورة ويروى الآية فقال حسبى ومعنى إحباط حسنات الكفار أنهم لا يدخلون بها الجنة ولا ينجون بها من النار، وقوله تعالى: { لا يخفف عنهم العذاب } [البقرة: 162، آل عمران: 88] على عمومه وقال بعض قومنا يخفف عذاب ما ليس بشرك من المشرك ولا يخفف عذاب ما بشرك ويرده أن الشرك مبطل لحسناته فلا حسنة له فى الآخرة، وكان الصحابة رضى الله عنهم يستحقرون التمرة ونحوها ويردون السائل إذ لم يجدوا ويستحقرون الكذبة والنظرة والغيبة ونحو ذلك فيفعلونها فنزلت الآية وأعطى - صلى الله عليه وسلم - سائلاً تمرة فقال نبى من الأنبياءِ يتصدق بتمرة فقال أما علمت فيها مثاقيل ذر كثيرة، وعنه - صلى الله عليه وسلم - " تصدق ولو بشق تمرة" ومر أن أمة تصدقت بشق تمرة فدخلت الجنة، وتصدقت عائشة رضى الله عنها بحبة عنب فقيل لها فقالت كم فيها من مثاقيل الذر، وفى رواية هذه أثقل من ذر كثير، وروى مثل هذا عن عمر، ومرادهما الرغبة فى الصدقة وتعليم غيرهما ولما نزلت الآيتان قال أبو سعيد يا رسول الله إنى لراءِ عملى قال - صلى الله عليه وسلم - " نعم قال الكبار الكبار فقال نعم وقال الصغار الصغار قال نعم قال واثكل أمى قال أبشر يا أبا سعيد الحسنة بعشر" وهذا على أن السورة مدنية إلاَّ أن يقال جعلنا فى سورة مكية وأبو سعيد لم يبلغ الحلم إلاَّ بعد أحد والله أعلم والله المستعان وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.