التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤٨
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٤٩
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ
٥٠
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
٥١
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٥٢
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ
٥٣
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٥٤
أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٥
هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٥٦
-يونس

تيسير التفسير

{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
ويقول كفار قريش للرسول الكريم: متى يكون هذا الذي تَعِدُنا به من العذاب ان كنت ومن معك صادقن فيما تؤمنون به!؟
{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ }.
قل لهم أيها الرسول: إنّي بَشَرٌ مثلكم، لا أمِلك لنفسي خيرا ولا شرا، الا ما قدّرني الله عليه.
{ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }.
ان لكل امةٍ من الأمم فترة حدّدها الله، فإذا جاءت تجدهم لا يتسطيعون التأخر عنها، ولا سْبقَها. فإذا كان الرسول الكريم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعاً، فكيف يملكه لغيره، بل كيف يملَك غيره لنفسه! ان الأمر لله يحقق وعيده في الوقت الذي يشاء، والأجلُ قد ينتهي بالهلاك الماديّ كما وقع لبعض الأمم السابقة، وقد ينتهي بالهلاك المعنوي، اي الهزيمة والضياع. والأمة الاسلامية بانحرافها عن دينها وخلقها قد انهزمت ولا يمكن ان تعود الى مجدِها وعزها بدون الرجوع الى الله.
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ }.
قل ايها الرسول لهؤلاء المكذبين المستعجِلين وقوع العذاب: أخبروني إن وقع بكم عذاب الله ليلاً او نهاراً، فأيّ فائدة تحصُلون عليها من استعجالكم إياه!، وأي عذاب تستعجلون؟ عذاب الدنيا، أم عذابِ الآخرة!؟
{ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ }.
ثم اذا حل بكم، هل تؤمنون به حين لا ينفع الايمان؟
{ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }.
عند ذاك يقال لكم على سبيل التوبيخ: الآن آمنتم به اضطرارا، وقد كنتم تستعجلونه في الدنيا!!.
{ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ }
يومئذ يقال للذين ظلموا أنفسَهم بالكفر والتكذيب: يا هؤلاء، الآن ذوقوا العذاب الدائم.
{ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }.
إنكم اليوم لا تُجزون إلا على أعمالِكم في الدنيا، ونحن لن نظلمكم شيئاً.
{ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ }.
ويسألونك ايها الرسول ان تخبرهم عن هذا العذاب الذي تعِدُهم به في الدنيا والآخرة، ويقولون: يا محمد، أحقّ أنه سيقع؟ فقل لهم: نعم، أُقسِم لكم بِربّي إنه حاصلٌ لا شك فيه.
{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ }.
وفي تلك اللحظة من ذلك اليوم لو ان لكل نفس كفَرت بالله جميعَ ما في الأرض لافتدَت به من عذابها لو تستطيع، وذلك لما تراه من عذاب يوم القيامة.
{ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }.
ولما رأوا العذابَ أخفَوا ندمَهم لعجزِهم عن النطق، ولشدة ما دهاهم من الفَزع، ونَفَذ فيم قضاءُ الله. وهم غير مظلومين في هذا الجزاء لأنه نتيجةٌ لما قدّموا في الدنيا.
ثم أتبعَ الله ما تقدّمَ بالدليل على قدرته على نفاذِ حُكمه وإنجاز وعده، فقال.
{ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.
فلْيتذكّر من نَسِيَ او جَهِلَ وغَفَلَ ان الله وحدَه يملك جميع ما في هذا الكون يتصرف فيه كيف يشاء.
ثم اكد ما سَلَف بقوله:
{ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.
وليعلموا أن وعدَه حق، فلا يُعجِزُه شيء، ولكن اكثرَ الكفار قد غرَتْهم الحياةُ الدنيا فباتوا لا يعلمون ذلك حق اليقين.
ثم أقام الدليلَ على قدرته على ذلك فقال:
{ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.
والله تعالى يَهبُ الحياةَ بعد عدَم، ويسلبُها بعد وجود، ثم إليه المرجِعُ في الآخرة حين يُحييكم بعد موتكم ويحشُركم اليه للحساب والجزاء.