التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

تيسير التفسير

سبحانه الله: تنزيها له عن كل ما لا يليق بجلاله. أسرى: سار ليلا. المسجد الحرام: مسجد مكة. المسجد الاقصى: الحرم في بيت المقدس، وهو اقصى، أي بعيد بالنظر الى الحجاز.
تنزيها لله الذي اسرى بعبده محمد في جزء من الليل، ومن المسجد الحرام بمكة الى المسجد الاقصى ببيت المقدس، ذلك المسجد الذي جعلنا البركة فيه وحوله لسكّانه في معايهشم وقواتهم، لنُري عبدنا محمدا من أدلتنا ما فيه البرهان الكافي والدليل الساطع على وحدانيتنا وعظم قدرنا. ان الله الذي اسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من اهل مكة، البصير بما يفعلون.
حادث الاسراء:
كان حادث الاسراء في ليلة 27 من رجب قبل الهجرة بسنة واحدة، وقد حصل الاسراء من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى بالجسد والروح فعلا، ولو كان الاسراء بالروح فقط لما كان في ذلك شيء من العجب، ولما قامت ضجة قريش، وبادروا الى تكذيبه.
فالرواية تقول
"ان الرسول الكريم كان نائما في بيت ابنة عمه ام هانئ، فأُسري به ورجع من ليلته وقص القصة على ام هانئ، ثم قام ليخرج الى المسجد فتشبثت ام هانئ بثوبه، فقال لها: مالك؟ قالت: اخشى ان يكذّبك قومك ان أخبرتهم: قال: وان كذّبوني. فخرج فجلس اليه ابو جهل، فاخبره رسول الله بحديث الاسراء، فقال ابو جهل: با معشر بني كعب بن لؤي، هلُم. فحدّثهم. فاستنكر القوم ذلك، فمن مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وانكارا. وارتد ناس من المسلمين. وسعى رجال الى ابي بكر رضي الله عنه قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أشهد لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدّقه في ان يأتى الشام في ليلة واحدة ثم يرجع الى مكة قبل ان يصبح؟ قال: نعم، انا أصدقه بأبعدَ من ذلك، اصدقه بخبر السماء. فسُمّيَ الصدّيق. وكان منهم من سافر الى بيت المقدس، فطلبوا اليه وصف بيت المقدس فوصفه لهم وصفا دقيقا، فقالوا أخبرْنا عن عِيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها واحوالها، وقال: تَقْدُم يوم كذا، فكان كما قال. وفي الليلة ذاتها كان العروج الى السماء من بيت المقدس" .
بيت المقدس بناه العرب الكنعانيون، واليبوسيون منهم، على جبل صهيون نحو سنة 2500 قبل الميلاد. وكلمة "صيهون" كنعانية أخذها اليهود وجعلوها شعاراً لهم. والرحلة من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى رحلة تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن ابراهيم واسماعيل عليهما السلام الى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. كما تربط بين الاماكن المقدسة لديانات التوحيد، وتعيد الحق الى أهله. والمقصود من هذه الرحلة العجيبة اعلان وراثة الرسول الاخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات وارتباط رسالته بها جميعا، فهي رحلة ترمز الى ابعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من ذلك. كما أنها تتضمن معاني اكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها النظرة الأولى. وهي آية من آيات الله، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود، وتنكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا المخلوق البشري، والاستعدادات الدينية التي يتهيأ بها لاستقبال فيض القدرة في اشخاص المختارين من هذا الجنس الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه.
وفي هذه الآية الكريمة يدلنا الله تعالى الى ان بيت المقدس والشام أجمع هي بلادنا وملك لنا فسارِعوا الى اخذها. ولم تمض عشرون سنة حتى كانت في حوزة المسلمين وبقيت وستبقى الى الأبد في أيديهم مهما كانت الغمّة القائمة.
ومهما جمعت اسرائيل من قوة واسلحة ودعمها الامريكان والانكليز وغيرهم فانها سوف تزول، ولسنا نشك في ان دائرة السوء ستدور عليهم جميعا، ويذهب هذا الباطل، وينمحي ذلك الزيف والكذب وتبقى القدس عربية مسلمة، وتبقى الصخرة المشرفة، ومسجد عمر
{ { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [الروم:4].