التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ
٤٠
وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ
٤١
وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٤٢
وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ
٤٣
-البقرة

تيسير التفسير

اسرائيل: لقب يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم، ومعنى اسرائيل. الأمير المجاهد، أو صفّي الله. وهناك من يرى أنها تعني "عبد ايل"، اي عبد الله، من فعل أسِر العبري، ورديفِه في العربية. اما إسحاق، فمن أصل "يتسحك" العبري ومعناه: يضحك. وقد اعترض الكثير من علماء اللاهوت الاوروبيين على التسمية بصيغة "الفعل" حتى شكّوا في الأصل. وبنوه: ذريته، وهم الأسباط الاثنا عشر، ويسمَّون العبرانيين ايضا لعبورهم نهر الأردن. وهم منتشرون في العالم كله، حيث اختصوا بالنشاطات السهلة الكبيرة المردود، وكانوا يقدَّرون قبل الحرب العالمية الثانية بنحو 16 مليوناً، هلك منهم في الحرب نحو خمسة ملايين كما يزعمون. ويتكلم أكثرهم اللغة الإيديّة، وهي لغة أقلِّيَةٍ اساسُها الألمانية ممتزجة بكلمات عبرية، والعبرية لغتهم الاولى وهي احدى اللغات الساميّة.
ويبدأ تاريخهم المعروف باقامة فريق منهم في "غوش" في الشمال الشرقي من مصر، منذ عدة قرون قبل المسيح، أيام رمسيس الثاني، وكانوا زرّاعا. وقد لاقوا في مصر بعض العنَت الى ان خرج بهم موسى. وفي طور سيناء أبلغهم الوصايا العشر فلم يحفظوها. ثم تاهوا في الصحراء سنين عديدة قبل ان يستولوا على قسمٍ من ارض كنعان استقروا فيه. وكانوا منقسمين الى قبائل، على رأس كل احدة شيخ قبلي وكاهن يسمّونه القاضي. هذا هو نظام القضاة. ولقد حاربوا الفلسطينيين القادمين من كريت، بقيادة شاؤول. فهزمهم هؤلاء. ثم جاء داود ووحّدهم وانتصر بهم على اعدائه، وحقّق لشعبه السلام والرفاهية. وعقبه سليمان الذي بنى أول هيكل. ثم انقسم بعده اليهود الى اسباط الشمال بقياة يربعام، وكونّوا مملكة السامرة، وأسباط الجنوب تحت قيادة ابن سليمان وكونوا مملكة يهوذا. ودارت الحرب بين المملكتين مدة طويلة، ثم استولى الآشوريون على المملكتين، ونفوا كثيرا من اليهود. ثم استولى عليهما المصريون، ومن بعدهم البابليون الذين هدموا الهيكل 586 ق.م واخذوا اليهود اسرى الى بابل. وقد بقوا هناك حتى سمح لهم قورش الفارسي بالعودة، واعادوا بناء هيكلهم مرة أخرى سنة 516 ق.م. وفي العصر الهليني كانوا جماعة دينية لا كيان لهم، واستعادوا استقلالهم السياسي تحت المكابيين. ثم أدى النضال بين الفريسيين والصدوقيين، وهما من أهم الفرق اليهودية، الى ان تدخّل الرومان الذين استولوا على البلاد من البطالسة وهدموا اورشليم سنة 70 م. وفي القرون الوسطى وقع على اليهود من قبل الاوروبيين اضطهاد شديد استمر حتى القرن الثامن عشر. لقد حُرّم عليهم امتلاك الارض، وممارسة كثير من المهن الحرة، ولم يُترك لهم الا التجارة الصغيرة وتسليف النقود. لذا تجمعت شراذمهم في أحياء خاصة بهم. وقد طرد كثير منهم من فرنسا وانجلترا واسبانيا والبرتغال، ولجأوا الى هولندا وبولندا وبلاد الاسلام حيث عاشوا آمنين. ثم أخذت الرأسمالية بيدهم في القرن الثامن عشر للميلاد وأصبحوا وراء الأعمال الاقتصادية الكبرى.
وقد أدى تحررهم التدريجي الى ظهور تيارين متعارضين في أوساطهم، أولهما يدعو الى رسالة ثقافية، وعلى رأسه موسى مندلسون، والثاني يدعو الى رسالة سياسية هي الصهيونية، وعلى رأسه ثيودور هرتزل 1896. وقد نشط التيار الثاني وسعى معتنقوه الى المطالبة بدولة يهودية في فلسطين حتى نجحوا في ذلك بمساعدة الدول الغربية المسيحية، وما مساعداتها هذه الا حركة امتداد للحروب الصليبية الغابرة.
هكذا وُجدت الحركة الصهيونية الرامية الى أقامة دولة يهودية على غرار الدولة القديمة التي قضت عليها روما. وقد سعى زعيمها هرتزل سعياً حثيثاً لجمع المال والرجال وعقّد أول مؤتمر لجماعته في مدينة بال بسويسرا, وفي ذلك المؤتمر قال هرتزل: "الآن خُلقت دولة اسرائيل"، فقد قرر المؤتمرون تكوين منظمات صهيونية في البلاد التي يقطنها عدد كاف من اليهود. وقام بأمر الصهيونية من بعده زعماء آخرون أمثال ماكسي نوردو، وحاييم وايزمان. وتعاقبت مؤتمراتها، وتحمس لها يهود شرق اوروبا، وأمدها يهود امريكا بالمال.
وتطلعت الصهيونية الى فلسطين. ثم جاء وعد بلفور، الوزير الانجليزي، سنة 1917 الذي سمح لليهود ان يكون لهم وطن قومي في فلسطين فعزز آمال الصهاينة. ومن ثم بدأت هجرة اليهود الى فلسطين سنة 1923 وزادت في عهد الانتداب الانجليزي بالتواطؤ، وقد شجّعت على ذلك حركات الاضطهاد في أوروبا كالحركة النازية.
وفي سنة 1945 أوقف الانجليز الهجرة، ولكن بعد أن أصبح عدد اليهود في فلسطين خطرا على العرب. ثم كانت المشلكة الفلسطينية الكبرى التي عُرضت على هيئة الأمم، فقررت تقسيم فلسطين بين العرب واليهود في 14 يونيه 1948.
ولم يقبل العرب هذا التقسيم لأنه هدرٌ لحقهم في وطنهم، ورغم ذلك أُعلنت الدولة اليهودية في ذلك التاريخ. وقامت الحرب بين أهل فلسطين واليهود حتى دخلت جيوش الدول العربية. ولم يكن العرب على استعداد للحرب اما اليهود فكانوا قد أعدوا كل شيء، بفضل الدول الغربية. لذا أخذوا أكثر من القسم الذي خصصه لهم قرار التقسيم.
ولا تزال الحالة متوترة والحرب قائمة ولن تهدأ حتى يسترد الفلسطينيون حقوقهم كاملة. والله نسأل ان يلهمنا رشدنا ويوحّد صفوفنا ويمدنا بقوة من عنده. ولا بد من نصرِنا عليهم طال الزمن أو قصر.
بعد استعرض سبحانه وتعالى في أوائل هذه السورة الكتابَ الحكيم وانه لا ريب فيه، بيّن أصناف البشر من مؤمن وكافر ومنافق، ثم طالب الناس بعبادته. ثم اقام الدليل على ان الكتاب مُنزل من عند الله على عبده محمد وتحدى المرتابين ان يأتوا بمثله. ثم حاجّ الكافرين. ثم ذكر خلق السماوات والأرض، وان جميع ما في الارض من منافع هي للانسان.
وهنا خاطب الشعوب والأمم التي ظهرت بينها النبوة، فبدأ بذِكر اليهود لسببين: الأول أنهم أقدم الشعوب التي أُنزلت عليها الكتب السماوية، والثاني لأنهم كانوا أشد الناس حقداً على المؤمنين في المدينة المنورة. كان اليهود في المدينة وشمال الحجاز، في خَيبر وغيرها، يكيدون للاسلام، ويوغرون صدور المشركين على النبي والصحابة، فذكّرهم الله تعالى بنعمته عليهم اذ جعل النبوة فيهم زمناً طويلا، وطلب اليهم القيام بواجب شكرها وكأنه يسألهم أن أَوفوا بوعدي الذي أخذتُه عليكم وأقررتموه على أنفسكم ـ وهو الايمان والعمل الصالح والتصديق بمن يجيء بعد موسى من الأنبياء ـ حتى أوفي بوعدي لكم، وهو حسن الثواب والنعيم المقيم.
وهذه الآية تشير إلى وجوب وفاء كلا المتعاقدين بما عليه من التزام، فاذا أخلّ احدهما بالتزامه سقط وجوب الوفاء عن الآخر.
ان عليكم يا أبناء يعقوب وذريته أن تؤمنوا بالقرآن الذي أنزلتُ مصدّقاً لما عندكم من كتب، واحذروا ان تسارعوا الى جحود القرآن فتكونوا أول الكافرين به بدل أن تكونوا أول المؤمنين بهديه.
{ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } اي لا تُعرِضوا عن التصديق بالنبيّ وما جاء به وتستبدلوا بهدايته هذا الثمن القليل الذي يستفيده الرؤساء من مرؤوسيهم من مالٍ وجاه، ويرجوه المرؤوسون من الحظوة باتباع الرؤساء خشية سطوتهم اذا ما خالفوهم. كذلك اتقوني بالإيمان، واتّباع الحق، والإعراض عن لذات الدنيا متى شغلت عن أعمال الآخرة.
{ وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } لا تخلطوا الحق المنزَل من عند الله بالباطل الذي تخترعونه من عند أنفسكم، ولا تكتموا الحق وأنتم تعرفونه حق المعرفة.
لقد بيّنت هذه الآية مسلكهم في الغرابة والإغراء... فرغم انه قد جاء في الكتب التي بين أيديهم تحذير متكرر من أنبياء كذَبةٍ يُبعثون فيهم ويجترحون العجائب، وجاء فيها أيضاً ان الله تعالى يبعث فيهم نبياً من ولد اسماعيل وزوجه الجارية هاجر ـ فقد ظلّ الأحبار يكذبون على العامة ويقولون: إن محمداً واحدٌ من اولئك الأنبياء الذين وصفتهم التوراة بالكذب. لقد ظلوا يكتمون ما يعرفون من أوصافه التي تنطبق عليه، وبذلك يحرّفون كثيرا من الكتب التي بين أيديهم.
وهنا أمَرهم الله تعالى أن يؤمنوا حقيقة وفعلاً، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة علّها تطهّرهم، ثم أن يركعوا مع الراكعين.. حتى يكونوا من المسلمين حقيقة.