التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ
٢
وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ
٣
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٤
مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٥
وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٧
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ
٩
-العنكبوت

تيسير التفسير

لا يُفتنون: لا يمتحنون. الفتنة: الامتحان والاختبار. ساء ما يحكمون: قَبُح حكمهم. يرجو لقاء الله: يطمع بنيل ثوابه. أجَل الله: الوقت المضروب للقائه. جاهد: بذل جهده في حرب نفسه. جاهداك: حملاك على الشرك.
{ الۤـمۤ } حروف صوتية تقرأ هكذا ألف، لام، ميم، افتتحت بها السورة لبيان ان القرآن المعجز مؤلَّفٌ من هذه الحروف، ولتنبيه السامعين وتوجيه أنظارهم الى الحق، وكل سورةٍ صدرت بهذه الأحرف تتضمن حديثا عن القرآن إما مباشرة، واما في ثنايا السورة، كقوله تعالى في الآية 45 من هذه السورة { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ.... } والآية: 47 { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ.... } والآية 51 { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ.... }
{ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }.
ايظنّ الناس أنهم يُتركون بمجرد قولهم آمنا بالله دون ان يُختبروا بما تتبيَّن به حقيقةُ إيمانهم. لا بدَّ من امتحانهم بذلك.
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ }
لقد اختبرنا الناسَ من الأمم السابقة بضروبٍ من البأساء والضراء فصبروا وتمسكوا بدِينهم، والله يعلم الذين صدقوا في ايمانهم، ويعلم الكاذبين.
روى البخاري وابو داود والنسائي
"عن خَبَّاب بن الأرتّ قال: شكونا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقينا من المشركين من شدةٍ فقلنا: الا تستنصرُ لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلِكم يؤخَذُ الرجل فيُحفَرُ له في الأرض فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضعُ على رأسه فيُجعل نصفَين، ويمشَط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه. والله ليتمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكبُ من صنعاء الى حضرموتَ لا يخاف إِلا الله، والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون"
{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }
ام يظن المشركون والذين يرتكبون الأمورَ السيئة أننا لا نقدِر عليهم!! بئسَ هذا الحكم الذي يحكمونه بجهلهم وغرورهم.
{ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }
من كان يؤمن بالبعثِ، وفي لقاء الله - فان إيمانه حق، واليومُ الموعود الذي عيّنه الله آت لا محالة، وهو سميع لاقوال العباد، عليم بأفعالهم.
ثم بين الله تعالى أن التكليفَ بجهاد النفس وغيرها ليس لنفعٍ يعود اليه بل لفائدة الناس. { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ }.
ومن جاهدَ نفسه بالصبر على الطاعة، فإن ثواب جهاده لنفسه، والله سبحانه لا يحتاج الى شيء من اعمالنا، كما قال:
{ مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } [فصّلت:46] وقال: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } [الإسراء:7].
لقد ظن بعض المفسّرين ان هذه الآية مدنية لأن فيها { وَمَن جَاهَدَ } والصوابُ ان الآية مكّية والمراد هنا بالجهاد جهادُ النفس والصبر على الأذى.
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
والذين آمنوا إيماناً صادقا وعملوا الاعمالَ الصالحة سنمحو عنهم خطاياهم، ونجزيهم بأحسنَ مما عملوا، وأضعاف أضعافه.
{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } تقدم في سورة الاسراء
{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.... } [الآية:23].
{ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ.... }
على المرء أن يعامل والديه بالرِفق واللين ولو كانا مشركَين، فأما إذا ارادا منه ان يشرك بالله، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق.
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ }
والذين آمنوا إيماناً صادقا مع العمل الطيب الخالص لله - يدخلُهم ربهم في زمرة من أنعمَ عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين
{ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [النساء:69].