التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
١٥
تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
١٦
فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٧
أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ
١٨
أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٩
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٠
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢١
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ
٢٢
-السجدة

تيسير التفسير

ذُكّروا بها: وعظوا بها. خرّوا: سقطوا ساجدين. تتجافى: تبتعد. جنوبهم: جوانب اجسامهم. المضاجع: فرش النوم. أُخفي لهم: خُبِّىءَ لهم. من قرة أعين: من الأشياء النفيسة التي تفرح بها الأنفس والاعين. المأوى: المسكن الذي نأوي اليه. نزلا بما كانوا يعملون: ضيافة منا لهم على اعمالهم الصالحة. الأدنى: عذاب الدنيا. الاكبر: عذاب الآخرة.
بعد ان صوّر حالَ المجرمين يوم القيامة، وذكر ما يلاقونه من العذاب المهين - أتى بالصورة المقابلة، صورة المؤمنين الذين يسبّحون بحمد ربهم ويسجدون له عند ذكر آياته، فهؤلاء لهم عنده الجزاء العظيم. وعند قوله تعالى { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } موضع سجدة.
ان الذين يؤمنون بآيات الله يَقَعون ساجدين حين يُوعَظون بها، ويسبّحون الله ويحمدونه في سجودهم. وهم يقومون لله في الليل متهجّدين مبتعدين عن مكان نومهم يدعون الله خوفاً من عذابه، وطمعاً في ثوابه. كما ينفقون مما رزقهم الله من الأموال في وجوه البر، ويؤدون حقوقه التي أوجبها عليهم.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: نزلتْ فينا معاشرَ الأنصار، كنا نصلي المغرب، فلا نرجع الى رحالنا حتى نصلّي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى عام يعم جميع المؤمنين في كل زمان ومكان.
ولذلك يقول الله تعالى:
{ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
فلا تعلم نفس مقدار ما أعدّه الله وأخفاه لهؤلاء المؤمنين من النعيم المقيم الذي تقر به أعينهم، جزاء بما كانوا يعملون. وانه لجزاء عظيم، واكرام آلهيّ، وحفاوة ربانية بهذه النفوس المؤمنة.
{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً؟ لاَّ يَسْتَوُونَ.... }
يبين الله تعالى في هذه الآيات مبدأ الجزاءِ العادل، الذي يفرق بين المسيئين والمحسنين في الدنيا والآخرة على أساس العدل.
كيف يستوي الناس في مجازاتهم وقد اختلفوا في أعمالهم!! لا يستوي المؤمن المصدق بالله مع الكافر الجاحد العاصي. كما قال تعالى:
{ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } سورة [ص:28].
ام الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى التي فيها مساكنهم، ضيافةً منا لهم جزاء أعمالهم الصالحة.
واما الذين فسقوا وخرجوا عن طاعة الله فمقامهم في النار، كلما حاولوا الخروجَ منها أُعيدوا فيها، ثم يقال لهم: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم تكذّبون به في الدنيا.
{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
ان الله تعالى لا يحب ان يعذب عباده اذا لم يستحقوا العذاب، وهو يقسِم هنا بأنه سوف يعذّبهم في الدنيا لعلهم يتوبون وتستيقظ فطرتهم، أما اذا أصرّوا على الكفر والعناد فإن العذاب الاكبر ينتظرهم يوم القيامة.
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ }
ليس هناك من هو أظلمُ ممن ذكّروا بآيات ربهم وحُججه البينات ثم انصرفوا عنها ولم يؤمنوا بها، وهؤلاء ينالون اشد العذاب ويستحقون الانتقام من العزيز الجبار.
قراءات:
قرأ حمزة ويعقوب: ما اخفي لهم باسكان الياء والباقون: اخفيَ بفتحها.