التفاسير

< >
عرض

فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ
٢٩
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ
٣٠
قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ
٣١
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٣٢
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ
٣٣
فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٣٤
أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ
٣٧
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ
٣٩
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ
٤٠
أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤١
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٣
وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
٤٤
-الطور

تيسير التفسير

الكاهن: الذي يوهم الناسَ أنه يعلم الغيب عن طريق اتصاله بالجنّ. نتربص: ننتظر. المنون: المنية، والدهر. ريب المنون: حوادثُ الدهر وصروفه. أحلامهم: عقولهم. قومٌ طاغون: ظالمون تجاوزوا حد المكابرة والعناد. تقوّله: اختلقه من عند نفسه. من غير شيء: من غير خالق. خزائن ربك: خزائن رزقه. المصيطرون: بالصاد وبالسين: القاهرون، المسلَّطون، سيطر عليه: تسلط عليه. بسلطان مبين: بحجة واضحة. من مَغرم مثقلون: من غرامة ثقيلة عليهم. كيداً: شراً. مَكيدون: يحيق بهم الشر ويعود عليهم وباله. كسفا: جمع كسفة وهي القطعة من الشيء. مركوم: متراكم بعضه فوق بعض.
يأمر الله تعالى رسوله الكريم أن يداوم على التذكير والموعظة، وعدم المبالاة بما يكيد المشركون، فما أنت ايها الرسول، بفضل ما أنعم الله به عليك من النبوة ورجاحة العقل بكاهن، ولا بمجنون كما يزعمون، ولا انت شاعرٌ كما يقولون حتى يتربّصوا بك حوادثَ الدهر ونكباته.
{ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ }
روي ان عدداً من زعماء قريش اجتمعوا في دارِ النَّدوة وتداولوا أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال قائل منهم: تربَّصوا به رَيْبَ المنون، فانه شاعر وسيهلِك كما هلك النابغةُ والأعشى وغيرهما، فابتعدوا عنه، واتقوا لسانه، مخافةَ ان يَغلِبكم بشِعره، فنزلت هذه الآية:
{ قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ }
قل لهم ايها الرسول: انتظِروا، فإني معكم من المنتظرين.
ثم سفّه أحلامَهم بقوله تعالى:
{ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }
هل تأمرهم عقولهم بهذا القول المتناقِض، فالكاهنُ والشاعر من أهلِ الفطنة والعقل والذكاء، والمجنونُ لا عقل له، فكيف يكون شاعراً أو مجنوناً!؟، بل الحقّ أنهم قومٌ طاغون، يفتَرون الأقاويل دون دليل عليها.
ثم زادوا في الإنكار ونسَبوا الى النبيِّ الكريم أنه اختلق القرآن من عنده، بل هم بمكابرتهم لا يؤمنون. فإن صحَّ ما يقولون فليأْتوا بحديثٍ مثل القرآن، ان كانوا صادقين في قولهم ان محمداً اختلقه.
ثم انتقل الكتابُ الى الردّ عليهم في إنكارهم وجودَ الخالق كما هو شأن الدهرِيين فقال:
{ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ }
هل خُلقوا من غير إله، ام هم الّذين خلَقوا أنفسَهم، فلا يعترفون بخالقٍ يعبدونه.
وهل هم الذين خلَقوا السماواتِ والأرضَ على هذا الصنع البديع؟ بل حقيقةُ أمرهم أنهم لا يوقنون بما يقولون.
وهل عندهم خزائنُ ربّك يتصرفون بها، { أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } القادرون المدبِّرون للأمور كما يشاؤون. الحقيقة ان الأمرَ ليس كذلك، بل اللهُ هو المالكُ المتصرف الفعال لما يريد.
قراءات: قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي المسيطرون بالسين. والباقون بالصاد. يقال: سيطر وصيطر.
روى البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرِب بالطّور، فلما بلغ قوله تعالى: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } قال: كادَ قلبي يطير، وأثّرت فيه هذه الآياتُ وكان ذلك من أسباب دخوله الاسلام. وكان جبير من الذين وفَدوا على النبي الكريم بعد وقعةِ بدرٍ في فداء أسرى قريش.
فاذا كانت أقوالُهم هذه غيرَ صحيحة فهل يدَّعون انهم ارتقوا بمصعَدٍ إلى السماء وسمعوا شيئاً من الله؟
{ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }
فليأتِ الذي استمع شيئاً بحجّة واضحةٍ تصدِّق دعواه.
ثم رد على الذين قالوا ان الملائكة بناتُ الله، وسفّه احلامهم، اذ اختاروا له البناتِ ولأنفسِهم البنينَ فقال: { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } كما تشاؤون وتحبّون؟ ولماذا يكذِّبون رسول الله؟ هل طلبَ منهم أجرة باهظة تُثقل كواهلهم { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ }؟ أم عندَهم عِلم الغيب، فهم يكتبون منه ما يشاؤن؟ بل يريد هؤلاء المشركون بقولهم هذا وافترائهم كيداً في رسول الله وفي الناس. فإن كان هذا ما يريدون فكيدُهم راجعٌ إليهم ووبالُه على أنفسهم. ام لهم الهٌ يعبدونه غير الله يمنعهم من عذاب الله؟ { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
{ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ }.
ان هؤلاء القوم معانِدون مكابرون، فحتى لو رأَوا بعضَ ما سألوه من الآيات، فعاينوا بعضَ السماءِ ساقطاً لكذّبوا وقالوا: هذا سحابٌ بعضُه فوق بعض. وذلك لأن الله ختم على قلوبهم، وأعمى أبصارَهم.