التفاسير

< >
عرض

فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ
٧٥
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
٧٦
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ
٧٧
فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ
٧٨
لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ
٧٩
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ
٨٣
وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ
٨٤
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ
٨٥
فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ
٨٦
تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٨٧
فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٨٨
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ
٨٩
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩٠
فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩١
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ
٩٢
فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ
٩٣
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
٩٤
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ
٩٥
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٩٦
-الواقعة

تيسير التفسير

فلا اقسم: هذا قسَم تستعمله العرب في كلامها، ولا للتأكيد. مواقع النجوم: مَداراتها ومراكزها. مكنون: مصون. المطهَّرون: المنزّهون عن الأدناس. مدهنون: متهاونون، مخادعون. الحُلقوم: مجرى الطعام. غير مدينين: غير محاسَبين. فروح: راحة الجسم. ريحان: راحة الروح. تصلية جحيم: ادخال النار. حق اليقين: هو بمعنى اليقين الحق، وهو اليقين المطابق للواقع.
بعد ذِكر الأدلة على الألوهية والخلْق والبعث والجزاء جاء بذِكر الأدلة على النبوة وصدق القرآن الكريم. وقد أقسم الله تعالى على هذا بما يشاهدونه من مواقع النجوم، وإن هذا القسَم لعظيم حقا، لأن هذا الكون وما فيه شيء كبير لا نعلم عنه الا القليل القليل. ويقول الفلكيون: ان من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، ومنها ما لا يرى الا بالمكبّرات، وقد يكون اكبر من شمسنا بآلاف المرات ولكننا لبعده الشاسع لا نراه. وهي تسبح في هذا الفلك الواسع الذي لا نعلم عنه شيئا. والبحث في هذا واسع جدا، ولذلك فان هذا القسَم عظيم حقا.
{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }
هو قرآن جامع لكل المحامد، وفيه الخير والسعادة لبني الانسان اجمعين.
{ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ }
وهو مصون في اللوح المحفوظ، لا يمسّ هذا اللوح ولا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة.
لقد فسر بعضُهم هذه الآية بأنه لا يَمَسُّ القرآن من كان مُحْدِثا، واختلف العلماء في ذلك، فقال جمهور العلماء لا يجوز ان يمسّ احدٌ القرآن الا اذا كان متطهّرا، وقال عدد من العلماء بالجواز.
{ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
ان هذا القرآن نزله الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.
وبعد ان ذكر مزاياه، وانه من لدن عليم خبير ذكر انه لا ينبغي التهاون في أوامره ونواهيه، ويجب التمسك به فقال: { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ }.
اتتهاونون بالقرآن وتُعرضون عنه، وتمالئون من يتكلّم فيه بما لا يليق به، وتكذّبون ما يقصه عليكم من شأن الآخرة، وما يقرره لكم من امور العقيدة! أتجعلون بدل الشكر على رِزقكم انكم تكذّبونه، فتضعون الكذب مكان الشكر!
{ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ }.
فماذا انتم فاعلون إذا بلغت روحُ أحدكم الحلقوم في حال النزاع عند الموت، وانتم حوله تنظرون اليه، ونحن بالواقع أقربُ اليه وأعلمُ بحاله منكم، ولكن لا تدركون ذلك ولا تبصرون.
{ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
فلو كان الأمر كما تقولون: إنه لا بعثٌ ولا حسابٌ ولا جزاء، وأنكم غيرُ مدينين لا تحاسَبون ولا تجزون - هلاّ تُرجعون النفسَ التي بلغتِ الحلقومَ الى مكانها، وتردون الموت عمن يُحتضر امامكم!.
ثم بين الله تعالى ان حال الناس بعد الوفاة ثلاثة اصناف فقال:
1- { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ. }
فأما ان كان المتوفَّى من الذين عملوا صالحاً وكان من المقربين السابقين فمآلُه راحةٌ واطمئنان لنفسه، ورحمةٌ من الله ورزقٌ طيب في جنات النعيم.
2- وأما إن كان من أصحاب اليمين الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، فيقال له تحيةً وتكريما: سلامٌ لك من إخوانك اصحابِ اليمين.
3- واما ان كان من المكذِّبين الذين كذّبوا الرسول والقرآن الكريم، الضالِّين سواءَ السبيل- فله مكانٌ في جهنم يُسقَى من ماءٍ شديد الحرارة، ومآله دخول الجحيم.
{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }.
ان هذا الذي ذُكر في هذه السورة الكريمة لهو الحقُّ الصادق الثابت الذي لا شكَّ فيه فسبِّح أيها الرسول بذِكر اسم ربّك العظيم تنزيهاً له وشكرا على آلائه.