التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٩
فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠
وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
١١
-الجمعة

تيسير التفسير

اذا نودي للصلاة: اذا أُذّن لها. فاسعَوا الى ذكر الله: فامشوا الى الصلاة. وذروا البيع: اتركوه. فاذا قضِيت الصلاة: أُدّيت وانتهت. فانتشِروا: تفرقوا في طلب الرزق والعمل. اللهو: كل ما يلهي عن ذكر الله. انفضّوا: انصرفوا.
الحديثُ في هذه الآيات الكريمة عن صلاةِ الجمعة، وهي ركعتان بعد خطبتين يلقيهما الإمام، وهي فرضُ عَين، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنّة والاجماع.
وتجب صلاةُ الجمعة على المسلم الحرّ العاقلِ البالغ المقيمِ القادرِ على السعي إليها، ولا تجب على المرأة والصبيّ، والمريضِ والمسافر، وكلِّ معذور مرخَّص له في ترك الجماعة، كعذر المطر والوحل والبرد ونحو ذلك، ولا تصحّ إلا جماعة.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل يوم الجمعة، وفضل الصلاة فيها، والحثّ عليها والاستعداد لها بالغسل والثياب النظيفة والطِّيب.
ويجوز للنساء والصبية ان يحضروا الجمعة، فقد كانت النساء تحضر المسجدَ على عهد رسول الله وتصلّي معه. ومن صلى الجمعةَ سقطت عنه فريضة الظهر، ومن أراد زيادة فليرجع الى كتب الفقه.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ }
يا أيها الذين آمنوا: إذا أُذَّن للصلاة يوم الجمعة فاذهبوا الى المسجد لحضور الصلاة وذِكر الله، واتركوا البيعَ وكلَّ عمل من الاعمال، وامشوا الى الصلاة بسَكينة ووقار، ولا تسرعوا في مشيكم. والأفضلُ ان يبكّر الانسان بالذهاب الى المسجد، فاذا لم يستطع فليمشِ الهوينا. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال:
"بينما نحن نصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذ سمع جلبةَ رجالٍ، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا الى الصلاة. قال: فلا تفعلوا، إذا أَتيتم فامشُوا وعليكم السَكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا" .
{ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
ذلك الذي أُمِرْتم به أنفعُ لكم ان كنتم من ذوي العلم الصحيح، فصلاةُ الجمعة عبادة من العبادات الممتازة لأنها تنظم المسلمين وتعوّدهم على النظام، وفيها الخطبة فيها موعظةٌ حسنة وتعليم للمسلمين بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
روى الامام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من اغتسلَ يوم الجمعة، ومسَّ من طِيب أهله إن كان عنده، ولبس أحسنَ ثيابه، ثم خرج يأتي المسجد، فيركع إن بدا له، ولم يؤذِ أحدا، ثم أنصتَ اذا خرج إمامُه حتى يصلي، كانت كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى" .
{ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
فاذا أديتم الصلاة فتفرقوا في الأرض لمتابعة أعمالكم ومصالحكم الدنيوية التي فيها معاشُكم، واطلبوا من فضلِ الله ما تشاؤون من خَيري الدنيا والآخرة، واذكُروا الله بقلوبكم وألسنتِكم كثيراً، لعلّكم تفوزون بالفلاح في الدنيا والآخرة.
هذا هو روح الاسلام: الجمعُ بين المحافظة على الجسم والروح معا، وهذا هو التوازن الذي يتّسم به الدين الاسلامي، كما جاء في قوله تعالى:
{ وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } [القصص: 77]. هل هناك أجملُ وأحلى من هذا الكلام؟.
{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً }.
روى الامام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال
: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة اذ قدمت عِير (ابل محمَّلة طعاما وغير ذلك من الشام) فابتدرها الناس حتى لم يبق في المسجد الا اثنا عشر رجلاً انا فيهم وأبو بكر وعمر، فأنزل الله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً }..."
والذي قدِم بهذه التجارة دِحْيةُ الكلبي من الشام، وكانت العادةُ إذا قدمت هذه العير يُضرب بالطبل ليؤذَنَ الناسُ بقدومها، فيخرجوا ليبتاعوا منها، فيخرج الناس. فصادف مجيءُ هذه العِير وقتَ صلاة الجمعة، فترك عدد من المصلّين الصلاة وذهبوا اليها. فعاتبهم الله على ذلك وافهمهم ان الصلاة لها وقتٌ محترم ولا يجوز تركها.
ثم رغّبهم في سماع العظات من الأئمة وان الله عنده ما هو خير من اللهو ومن التجارة، فقال:
{ قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }
فاطلبوا رزقه وتوكلوا عليه، ولا يأخذ كل انسان الا ما كُتب له. والله كفيل بالأرزاق للجميع.
وكان عراك بن مالك، رضي الله عنه، اذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إنّي أجبتُ دعوتك، وصلّيت فريضتك، وانتشرت كما أمرتَني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين. عراك هذا من التابعين من الفقهاء العلماء.