التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١
قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٢
وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ
٣
إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
٤
عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً
٥
-التحريم

تيسير التفسير

تحرّم: تمتنع عن. تبتغي: تطلب. فرض: شرع، وبين لكم. تحلَّة أيمانكم: تحليلها بالكفارة. بعض ازواجه: حفصة. نبأت به: اخبرت عائشة به. عرف بعضه: اعلمها ببعض الحديث الذي أفشته. وأعرض عن بعض: لم يخبرها به. ان تتوبا: يعني حفصة وعائشة. صغت قلوبكما: مالت الى ما يجب للرسول الكريم من تعظيم واجلال. وان تظاهرا عليه: تتظاهرا وتتعاونا على ايذاء الرسول. ظهير: معين. مسلمات: خاضعات لله بالطاعة. مؤمنات: مصدقات بتوحيد الله. قانتات: مواظبات على الطاعة. تائبات: مقلعات عن الذنوب. سائحات: صائمات وذاهبات في طاعة الله كل مذهب.
الحديث في هذه الآيات الكريمة عما كان يجري في بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول الكريم بشَرٌ يجري في بيته ما يكونُ في بيوت الناس، من شِجارٍ بين أزواجه وغيرةٍ وما شابه ذلك.
وقد وردتْ رواياتٌ متعدّدة في سبب نزول الآيات، من أصحِّها أنه شربَ عسلاً عند زينبَ بنتِ جحش، فغارت عائشةُ وحفصةُ من ذلك. واتّفقتا أنّ أيَّ واحدةٍ منهما دخلَ عليها النبي الكريم تقول له: إنّي أجِدُ منك ريحَ مغافير. (والمغافيرُ صَمغٌ حلو له رائحةٌ كريهة).
وأولَ ما دخل على حفصةَ قالت له ذلك، فقال لها: بل شربتُ عسلاً عند زينبَ بنتِ جحش، ولن أعودَ له. وأُقسِم على ذلك، فلا تُخبري بذلك أحدا.
فأخبرت حفصةُ بذلك عائشةَ وكانتا، كما تقدّم، متصافيتَين متفقتين.... فعاتبَ الله تعالى نبيَّه على تحريمِه ما أحلَّه الله له كي يُرضيَ بعضَ زوجاته.
وبعدَ عتابِه الرقيق وندائه: يا أيّها النبيّ.... قال تعالى { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. ثم بيّن له أنّه يمكن ان يكفّر عن يمينه بقوله: { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } بالكفّارة عنها. وقد رُوي أنه عليه الصلاةُ والسلام كفّر عن يمينه فأعتق رقبة.
{ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }
واللهُ متولِّي أمورِكم وناصرُكم، وهو العليم بما يُصلحكم فيشرّعه لكم، والحكيمُ في تدبيرِ أموركم.
{ وَإِذَ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ }.
وقد تمّ شرحُ هذا فيما سبق. اما "عرّف بعضَه وأعرضَ عن بعض" فهو أن الله أطلَع رسولَه على ما دار بين حفصة وعائشة، وأخبر الرسول حفصةَ ببعض الحديث الذي أفشَتْه، وأعرضَ عن بعض الحديث وهو قولُه: وقد حلفتُ.
{ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ }.
فلما أخبر حفصةَ أنه يعرف ما دار بينَهما استغربتْ وسألتْه: من الذي أخبرك بهذا؟ قال: أخبرني به اللهُ العليم بكل شيء، الخبيرُ الذي لا تخفَى عليه خافية.
ثم وجّه تعالى الخطابَ إلى حفصةَ وعائشة مبالغةً في العتاب والتحذير فقال:
{ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }
إن ترجعا الى الله بالتوبة عن مثلِ هذه الأعمال التي تؤذي النبيَّ فقد مالت قلوبُكما الى الحقّ والخير.
ثم بيّن الله أنه حافظٌ لرسوله الأمين وحارسُه فلا يَضُرُّه أذى مخلوقٍ فقال:
{ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }.
ان تتعاونا يا عائشة وحفصة في العمل على ما يؤذي النبيَّ ويسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء السر - فلن يضرّه ذلك شيئا، فالله ناصرهُ وجبريلُ والمؤمنون الصالحون والملائكة كلّهم مظاهرون له ومعينون.
ثم حذّرهما ألاّ تعودا لمثلِ ذلك بقوله:
{ عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }.
احذرْنَ أيتها الزوجات من إيذاء رسول الله والتألُّب عليه، والعملِ على ما يسوؤه فإنه اذا أُحرِج يمكن ان يطلقكن ويبدله الله خيراً منكن في الدينِ والصلاح والتقوى. ولا شيءَ أشدُّ على المرأة من الطلاق. وفي هذا تنويهٌ كبير بشأن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
قراءات:
قرأ اهل الكوفة: تظاهرا بفتح التاء والظاء من غير تشديد. وقرأ الباقون: تظاهرا بفتح التاء والظاء المشددة. وقرأ الكسائي وحده: عرف بعضه بفتح العين والراء بلا تشديد، والباقون عرَّف بتشديد الراء المفتوحة. وقرأ حفص ونافع وابو عمرو وابن عامر: جبريل بكسر الجيم والراء من غير همزة. وقرأ ابو بكر: جبرئيل بفتح الجيم والراء وهمزة قبل الياء.