التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١٢
وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٣
أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٤
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ
١٥
ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ
١٦
أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
١٧
وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ
١٨
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ
١٩
-الملك

تيسير التفسير

الغيب: كل ما غاب عنا. بذات الصدور: بما في النفوس والضمائر. اللطيف: الرفيق بعباده. الخبير: العالم بظواهر الاشياء وبواطنها. ذلولا: سهلة منقادة يسهل عليكم السير فيها والانتفاع بها وبما فيها. مناكبها: طرقها ونواحيها. النشور: البعث بعد الموت. الأمن: الاطمئنان وعدم الخوف، وهو اعظم شيء في الوجود. مَن في السماء: يعني ربنا الاعلى. تمور: تهتز وتضطرب. حاصبا: ريحا شديدة فيها حصباء تهلكهم. نذير: هكذا من غير ياء والاصل نذيري، والمعنى إنذاري وتخويفي. نكير: كذلك هي نكيري بياء، عذابي. صافّات: باسطاتٍ أجنحتهنّ في الجوّ أثناء الطيران. ويقبضن: يضممنها تارة اخرى.
بعد ان أوعدَ الكفارَ بالعذاب في نارِ جهنم، ووصفَها ذلك الوصفَ المذهل - وعدَ هنا المؤمنين الذين يخشَون ربّهم بالمغفرة والأجرِ الكريم. وهذه طريقةُ القرآن الكريم: الترغيبُ والترهيب، حتى لا يقنَطَ الانسانُ من رحمة ربه.
ثم عادَ الى تهديدِ الكافرين، وانه تعالى يعلم السرَّ والجَهْرَ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ويعلَم ما توسوسُ نفسُ الانسان. ثم بعدَ ذلك كله قال { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } كي يذكّرنا دائماً بأنه رؤوفٌ بعباده رحيم.
ثم عدّد بعضَ ما أنعم علينا، فذكر أنه عبَّدَ لنا هذه الأرضَ وذلّلها، وهيّأها لنا، فيها منافعُ عديدةٌ من زروع وثمارٍ ومعادن، وما اعظمَها من نِعم. ثم قال:
{ فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ }
تمتعوا بهذهِ النعمِ، ثم إلى ربّكم مرجعُكم يومَ القيامة.
ففي الآية الكريمة حثٌّ على العمل والكسب في التجارة والزراعة والصناعة، وجميع انواع العمل، وفي الحديث: ان عمر بن الخطاب مرّ على قوم فقال لهم: من أنتم؟ فقالوا: المتوكّلون، قال: بل أنتم المتواكلون، انما المتوكلُ رجلٌ ألقى حَبَّه في بطن الأرضِ وتوكّل على الله عز وجل.
وجاء في الأثر:
"إن الله يحبُّ العبدَ المؤمنَ المحترف" .
ثم بيّن الله أن الإنسانَ يجب ان يكون دائماً في خوفٍ ورجاءٍ، فذكر انه: هل يأمنون ان يحلَّ بهم في الدنيا مثلُ ما حلّ بالمكذّبين من قبلهم؟ من خسْفٍ عاجلٍ تمورُ به الأرض، او ريحٍ حاصبٍ تُهلك الحرثَ والنسل!؟
ثم ضرب لهم المثلَ بما حلّ بالأمم قبلَهم من ضروب المِحَن والبلاء.
{ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ }
فأهلكهم وخسَفَ بهم الأرض، وبعضُهم أغرقَهم، وبعضُهم أرسلَ عليهم الريحَ الصرصر....
ثم بعد ذلك وجّه انظارهم الى باهر قدرته، وعظيم منّته على عباده، فطلبَ اليهم ان ينظروا إلى بعض مخلوقاته كالطّير كيف تطير باسطةً أجنحتها في الجو تارةً وتضمّها اخرى، وذلك كلّه بقدرة الله وتعليمه لها ما هي بحاجة اليه.
فبعد هذا كله اعتبِروا يا أيها الجاحدون مما قصَصْنا عليكم، فهل أنتم آمنون ان ندبِّر بحكمتنا عذاباً نصبّه ونقضي عليكم فلا يبقى منكم احد!؟