التفاسير

< >
عرض

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ
٢٠
فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ
٢١
أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
٢٢
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
٢٣
أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
٢٤
وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
٢٥
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
-القلم

تيسير التفسير

بلوناهم: اختبرناهم، امتحناهم. الجنة: البستان. ليصرمنّها: ليقطفنّ ثمارها. مصبحين: وقت الصباح. ولا يستثنون: ولا يقولون: ان شاء الله. طائفٌ من ربك: عذاب من الله، فقد أرسل عليها صاعقة من السماء فأحرقها. كالصّريم: كالليل المظلم. فتنادَوا: فنادى بعضهم بعضا. ان اغدوا: اخرجوا غدوة مبكّرين. حَرْثكم: زرعكم. صارمين: قاطعين الثمار. يتخافتون: يتحدثون بصوت ضعيف، همساً حتى يسمعهم أحد. على حَرْد: على المنع، اي يمنعون كل احد. محرومون: حرمنا خير جنتنا بجنايتنا على انفسنا. قال اوسطهم: أفضلهم رأيا. لولا تسبّحون: ليتكُم تذكرون الله وتشكرونه على ما انعم عليكم. يتلاومون: يلوم بعضهم بعضا على اصرارهم على منع المساكين. يا ويلنا: دعاء على انفسهم بالهلاك. طاغين: متجاوزين حدود الله.
إنا امتحنّا كفارَ قريشٍ بأن أغدقنا عليهم النِعَم والأمن لنعلمَ: أيشكرون هذه النعم ام يكفرونها، كما اختبرنا اصحابَ الجنّة التي يعرفون قصتها.
فقد كان لرجلٍ بستانٌ كبير فيه من شتى أنواع الفاكهة، وكان هذا الرجل يتصدَّق منه ويعطي الفقراءَ والمساكين والمحتاجين. فلما تُوفي قال أولادُه: لو أعطينا الفقراءَ والمساكين من بستاننا هذا لما بقيَ لنا شيء. فاتفقوا ان يذهبوا الى جنّتهم صباحاً مبكّرين، وأقسموا بان لا يدخلنّها عليهم مسكين.
فأرسل الله عليها آفة أحرقتْها وهم نائمون لا يدرون ماذا جرى لها. فأصبحت جنتهم سوداء خاوية. فلما أصبحوا نادى بعضُهم بعضا ليذهبوا إليها ويقطفوا ثمارها. وانطلقوا خِلسة وهم يتهامسون حتى لا يسمع بهم أحدٌ من المحتاجين فيلحقَهم. وغدَوا إليها في حماسة وهم يظنّون أنهم قادرون على تنفيذ ما خطّطوا له { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ }.
ولكنّهم فوجئوا عندما رأوها سوداء محترقة خاوية من الثمار فقالوا: { إِنَّا لَضَآلُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ }... لقد سَلَبَنا اللهُ ما رزقَنا. فقال لهم { أَوْسَطُهُمْ } أي أعدلُهم وأرجحهم عقلا: أَلم أقل لكم هلاَّ تسبِّحون اللهَ وتشكرونه على ما أَولاكم من النعم، فتؤدوا حقَّ المساكين والمحتاجين!
وبعد ان سمعوا ما قال أخوهم وثابوا الى رُشدِهم اعترفوا بذنوبهم و { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }، وندموا على ما عمِلوا. ثم بعد ذلك ألقى كل واحدٍ منهم تَبِعَة ما وقع على الآخر كما قال تعالى: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } ثم نادَوا على أنفسِهم بالويل والثبور، واعترفوا بذنبهم، ورجعوا الى الله، وتابوا، وسألوه ان يعوّضهم خيراً من جنتهم { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } لعلّه يعطينا خيراً من جنّتنا بتوبتنا، ويكفّر عنا سيئاتنا.
{ كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }
هكذا كان عذابُ من خالف أمرَ الله وبَخِل بما آتاه وأنعم عليه، وذلك في الدنيا، أما عذابُ الآخرة فهو أشدّ وأعظم، لو كان قومكَ أيها الرسول يعلمون ذلك.