التفاسير

< >
عرض

إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً
١٧
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً
١٩
وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
٢٠
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً
٢١
لِّلطَّاغِينَ مَآباً
٢٢
لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً
٢٣
لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً
٢٤
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً
٢٥
جَزَآءً وِفَاقاً
٢٦
إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً
٢٧
وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً
٢٨
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً
٢٩
فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً
٣٠
-النبأ

تيسير التفسير

يوم الفصل: يوم القيامة لأن الله تعالى يفصل فيه بين الناس. ميقاتا: وقتاً للحساب والجزاء. أفواجا: جماعات، واحده فوج. وسُيرت الجبال: زالت عن أماكنها. سرابا: السراب ما يرى في نصف النهار كأنه ماء وهو خيال ليس بشيء، وكذلك تسير الجبال. مرصادا: مكان الارتقاب والانتظار. للطاغين: للمعتدين الظالمين. مآبا: مرجعاً. لابثين: مقيمين. أحقابا: واحدها: حُقب وحِقب، وهو المدة الطويلة من الدهر. حميما: ماء حارا. غسّاقا: صديدا وعرقا دائم السيلان من اجسادهم. وِفاقا: وفق أعمالهم السيئة. كِذّابا: تكذيبا. كتابا: كتابة.
بعد ان نبّه الله عبادَه الى هذه الظواهر الباهرة، ووجه انظارهم الى آياته في هذا الكون العجيب - أخذ يبيّن ما اختلفوا فيه ونازعوا في إمكان حصوله وهو يومُ الفصل، ويذكُر لهم بعضَ ما يكون فيه، تخويفاً لهم من الاستمرار على التكذيب بعد ما وضَحت الأدلةُ واستبانَ الحق.
{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } إن يوم القيامة هو يومُ الفصلِ بين الخلائق، وهو ميعاد مقدَّر للبعث.
ثم بيّن هذا اليومَ وزاد في تهويله فقال:
{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً }
في ذلك اليومِ يُنفخ في البوق فتُبعثون من قبورِكم وتأتون الى المَحْشَرِ جماعاتٍ جماعاتٍ. { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } وانشقّت السماءُ من كل جانب وتصدّعت فصارت أبوابا، وذلك هو خرابُ العالم ونهايتُه. وعلينا أن نؤمن بما ورد من النفخ في الصور وليس علينا ان نَعلم ما في حقيقة ذلك الصور، لأن الحياةَ الآخرة وجميعَ ما فيها تختلف عن حياتنا الدنيا.
{ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }
وزالت الجبالُ عن أماكنها وتفتَّتَتْ صخورُها وذهبت هَباءً كالسراب. فالآخرةُ عالم آخر غير عالم الدنيا التي نحن فيها، فنؤمن بما ورد به الخبر عنها ولا نبحث. فالنشأةُ الاخرى قد تكون غير هذه الحياة فتكون السماء بالنسبة إلينا أبوابا ندخُل من أيها شئنا بإذن الله. وقد يكون معنى تفتُّح السماء ما عنى بقوله: إذا السماءُ انشقّت.. اذا السماءُ انفطرت.. يوم تَشَقَّقُ السماءُ بالغمام.. يعني يومَ يقعُ الاضطراب في نظام الكواكب، فيذهب التماسُك بينها ولا يكون فيها ما يسمّى سماء الا مسالكَ وأبواب لا يلتقي فيها شيء بشيء، وذلك هو خرابُ الكون.
وقد ذُكر زوالُ الجبال في القرآن في عدة آيات منها قوله تعالى
{ { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [الحاقة: 14].
وقوله:
{ { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [المعارج: 9، القارعة: 5]، وقوله { { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [الواقعة: 5، 6].
وبعد ان عدّد الله تعالى وُجوهَ إحسانه، ودلائلَ قدرته على إرسال رسوله الكريم، وذكَرَ يومَ الفصل وما فيه من أهوال وشدائد - ذكر هُنا وعيدَ المكذّبين وبيانَ ما يلاقونه فقال:
{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً... }
ان جهنّم تترصَّد وتنتظر الجاحدين، وهي منزلُهم، ومرجعُهم إليها، حيث يستقرّون دهوراً متلاحقة كلّما انقضى زمن تجدَّد لهم زمن آخر.
أما أحوالهم فيها وما يذوقونه من عذاب فقد بيّنه بقوله:
{ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً..... }
إنهم لا يذوقون في جهنّم نَسيماً يُنَفِّسُ عنهم حَرَّها، ولا شراباً يسكِّن عطشهم فيها، بل يجدون ماء بالغاً الغاية من الحرارة، وصديداً مُنِتنا يزيد في عذابهم، وهو جزاء موافق لأعمالهم السيئة. والسببُ في ذلك كله: إنهم لم يؤمنوا بالله ولا بالبعثِ والحساب والجزاء. كما أنهم:
{ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً }
أي بالغوا في التكذيب بآياتنا وما فيها من براهينَ وبيّنات.
ثم بين الله تعالى أن كل شيء من أعمالهم مكتوبٌ يُنْشَر يومَ القيامة.
{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً }
أي أحصيناه مكتوباً في كتابٍ
{ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [الكهف: 49].
{ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }
فذوقوا ما أنتم فيه من العذابِ الأليم، فلنْ يكون لكم منا إلا عذابٌ أشدّ وأقوى. وكما جاء في قوله تعالى:
{ { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ص: 57، 58].
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لم ينزِل على أهل النار آيةٌ أشدّ من هذه الآية { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }.
قراءات
قرأ أهل الكوفة: وفتحت السماء: بالتخفيف، وقرأ الباقون: وفتّحت بتشديد التاء. وقرأ حمزة وروح: لَبِثينَ بكسر الباء من غير الف بعد اللام، وقرأ الباقون: لابثين بالف بعد اللام. وقرأ حفص وحمزة والكسائي: غسّاقا بالتشديد، والباقون غَسَاقا بفتح الغين والسين من غير تشديد.