التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
-النازعات

تيسير التفسير

النازعات: الملائكة، أو الكواكب. غرقاً: بشدة. الناشطات: التي تنشط في اجابة أمر ربها. السابحات: الطائرات في هذا الكون الفسيح كأنها تسبح سبحا. السابقات: المسرعات في أداء ما وكل اليها. المدبّرات: التي تدبر الأمور بإذن الله. ترجُفُ: تضطرب. الراجفة: الارض. الرادفة: السماء. واجفة: خائفة. خاشعة: ذليلة. الحافرة: الحياة الاولى، يقال رجع الى حافرته: رجع الى طريقته الأولى. النخِرة: البالية. كرّة خاسرة: رجعة يخسَر أصحابها. زجرة واحدة: صيحة واحدة. الساهرة: أرض المحشَر.
لقد جاء في القرآن الكريم ضروبٌ من القسَم بالأزمنة والأمكنة وبعض الاشياء، ولو استعرضْنا جميع ما أقسم الله به لوجدناه إما شيئاً أنكره بعضُ الناس، أو احتقره لغفْلتِه عن فائدته، أو ذُهل من موضع العبرة فيه، ولم ينتبه الى حكمة الله في خَلْقه أو اعتقدَ فيه غيرَ الحق. فاللهُ سبحانه يقسِم به إما لتقرير وجودهِ في عقلِ من يُنكره، أو تعظيمِ شأنِه في نفسِ من يحتقرُه.
فالقسَم بالنجوم، جاء لأن قوماً يحقّرونها لأنها من جُملة عالَم المادّة ويغفلون عن حكمة الله فيها وما ناطَ بها من المصالح، وآخرين يعتقدونها آلهة تتصرّف في هذه الأكوان، فأقسَمَ اللهُ بها على أنها من المخلوقات التي تعرفُها القدرة الإلهية، وليس فيها شيء من صفات الألوهية.
ولقد بدأ اللهُ سبحانه هذه السورة بالحَلْف بأصنافٍ من مخلوقاته، إظهاراً لإتقان صُنعها وغزارة فوائدها بأن البعثَ حق، وأن من قَدر على صُنعِ هذا الكونِ وما فيه لهو قادرٌ على إحياء الموتى.
فأقسَم بالنازعاتِ، وهي الملائكةُ التي تنزع أرواح الكافرين بشدّة؛ والناشطات، وهي الملائكةُ التي تأخذ أرواحَ المؤمنين بسهولة ويسر؛ وبالسابحات التي تسبحُ في أجواء هذا الكون الفسيح، والسابقات وهي التي تسبقُ في أداء ما وُكِلَ إليها وتؤدّيه على أحسن وجه، والمدبّراتِ أي التي تدبّر الأمورَ بإذن الله وتصرفها بما أودع فيها من خصائص. ويقول بعض المفسّرين إن النازعات والناشطات والسابحات والسابقات والمدبّرات هي الكواكب. ونحن لا نستطيع أن نجزم بشيء من هذه الأقوال لأنها لا تستند الى دليل.
{ يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ.... } يومَ تقوم القيامةُ تضطربُ الأرض بمن فيها وترجفُ الأرضُ والجبال.. وتتبعها الرادِفةُ، وهي النَّفخة الثانية، فتنشقّ السماء وتَنتثِر الكواكب ويقوم الناسُ لربّ العالمين. كما قال تعالى:
{ { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68]. ويكون الناس في ذلكَ اليومِ في ذهولٍ عظيم، وخوفٍ وهلع، كما صوّرهم الله بقوله: { { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج: 2].
يومئذٍ يرى المرءُ قلوباً مضطربةً قلِقة خائفة { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } ذليلةً من الهلعَ والخوف.
ثم يتساءل المجرمون وهم يظنّون أنهم رُدّوا الى حياتهم الأولى:
{ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً }
أنحنُ مردودون الى الحياةِ، عائدون في طريقنا الأُولى؟! وهذا من شدّة ذهولهم ودَهشتهم كيف يرجعون بعد ان كانوا عظاماً بالية! ثم يعودون إلى رُشدهم فيقولون (بعد أن يعلموا أنها حياة اخرى ويشعروا بالخسارة) { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } لم يحسِبوا حسابها، ولم يقدّموا لها.
ثم يأتي الرد الشديد من الله تعالى:
{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ }
لا تستبعِدوا ذلك وتظنّوه عَسيرا علينا، فإنما هي صَيْحة واحدةٌ، وهي النفخة الثانية التي يبعثُ الله بها الموتَى، فإذا الناسُ كلّهم حضورٌ بأرض المحشر.
قراءات:
قرأ الجمهور: عظاما نخرة بفتح النون وكسر الخاء، وقرأ حمزة والكسائي وابو بكر: ناخرة بألف بعد النون.