التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٥
وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٢٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٢٧
وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
٢٨
يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢٩
-الأنفال

تيسير التفسير

هنا امرنا الله ان نتقي الفتن الاجتماعية التي لا تخص الظالمين، بل تتعداهم الى غيرهم، وتصل الى الصالح والطالح، فقال: { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً }. قال ابن عباس: امر الله المؤمنين ان لايُقرّوا المنكّر بين أظهُرهم فيعمّهم العذاب وفي صحيح مسلم "عن زينب بن جحش انها سألت رسول الله، فقالت له: يا رسول الله أنِلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، اذا كثر الخبث" .
فاتقوا ايها المؤمنون الفتن، واضربوا على أيدي المجرمين، فان الذنب العظيم مفسدٌ جماعتكم ولا يصيب الذين ظلموا وحدهم، بل يصيب الجميع. والأفرادُ في نظر القرآن مسئولون عن خاصة انفسهم، ومسئولون عن أمتهم ايضاً فإذا قصروا في أحد الجانبين او فيهما - عرّضوا انفسهم وأمتهم للدمار والهلاك.
{ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } للأمم والافراد اذا سكتوا عن الفحشاء والمنكَر فيهم، ولم يتلافوا المفاسد التي تحصل بينهم.
ثم يشفع الله هذا التحذير بتذكيرهم بنعمة الله عليهم حينما استجابوا وتضامنوا في المسؤولية والحرص على اعلاء كلمته، وكيف نظر الله اليهم على قلتهم فكثّرهم، والى ضعفِهم فقوّاهم وخوفهم فآمنهم، فقال:
{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ.. } تذكّروا أيها المؤمنون، وقت أن كنتم عدداً قليلا، وضعفاء يستغلّ أعداؤكم ضعفكم، وقد استولى عليكم الخوف من ان يتخطفكم اعداؤكم فيفتكوا بكم. يومئذٍ آواكم أيها المهاجرون إلى يثرب حيث تلقّاكم الأنصار، وأيدكم وإياهم بنصره في غزواتكم، ورزَقكُم الغنائم الطيبة رجاء ان تشكروا هذه النعم فتفسيروا في طريق الجهاد لإعلاء كلمة الله.
ثم يأتي النداء الرابع، وفيه ينبّههم الى ان مخالفة الله في اوامره - ومن أشدِّها إفشاء سر الأمة للاعداء - خيانةٌ لله ولرسوله وخيانة للأمة، وحسب الخائنين سقوطا عند الله قوله تعالى:
{ { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } [الأنفال: 58].
يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول بموالاة الاعداء، ولا تخونوا الامانات التي تكون بينكم، فالخيانة من صفات المنافقين، والأمانة من صفات المؤمنين.
واكبر خيانة في الوقت الحاضر هي قعود المسلمين عن الجهاد في سبيل الله، وتركُ المسجد الأقصى في يد أعداء اله اليهود. فالخيانة بكل معانيها صفة مذمومة. روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"آية المنافق ثلاث: اذا حدّث كذب، واذا وعد أخلَف، واذا ائتُمِن خان، وان صام وصلى وزعم انه مسلم" ). { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وانتم تعلمون مفاسد الخيانة وتحريم الله لها وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة.
{ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } يحذّر الله هنا من شهوة النفس في الحرص على المال والولد، ذلك ان فتنة الاموال والاولاد عظيمة لا تخفى على ذوي الالباب، فلا تغلِّبوا ايها المؤمنون محبة المال والولد على محبة الله تعالى. إن ذلك يفسِد أموركم. فيجب على المؤمن الصادق الإيمان ان يتقي الفتنة في المال بأن يكسبه من الحلال وينفقه في سبيل البر والاحسان، ويتقي الفتنة في الأولاد بحسن تربيتهم وتعويدهم الفضائل وحسن الاخلاق.
{ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } يجزيكم به عن المال والولد، فعليكم ان تؤثروا ما عند ربكم.
لمّا حذّر الله تعالى من الفتنة بالأموال والأولاد، قفّى على ذلك بطلب التقوى التي هي اساس الخير كله، وان التقوى شجرة مثمرة، اعظم ثمارها الفرقان والنور الذي يبصرّنا بالحق والعدل والصلاح، والذي به نهتدي ونسعد، كما تُمحة سيئاتنا، ويغفر الله لنا ذنوبنا، وبه تفتح لنا ابواب السماء.
وهذا هو النداء الخامس:
{ يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ان تخضعوا لاوامر الله في السر والعلن، يجعل الله تعالى في انفسكم قدرةً تفرّقون بها بين الحق والباطل، وينصركم على أعدائكم، ويغفر لكم جميع ذنوبكم، فهو ذو الفضل العظيم عليكم وعلى جميع خلقه.