التفاسير

< >
عرض

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ
١
ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ
٢
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
٣
أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ
٤
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
٥
يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٦
كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
٧
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ
٨
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ
٩
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١٠
ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ
١١
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٤
كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ
١٥
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ
١٦
ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
١٧
-المطففين

تيسير التفسير

ويل للمطففين: هلاك عظيم للذين يبخسون المكيال وينقصونه، طفّف المكيالَ: نَقَصَه. اذا اكتالوا على الناس يستوفون....: عندما يكتالون لأنفسِهم من الناس - يأخذون حقهم وافيا، اما اذا كالوهم أو وزنوهم فإنهم يُنقِصون حقوق الغير. سجِّين: اسمُ الكتاب الذي تُكتب فيه اعمالهم. مرقوم: له رقم وعلامة. أساطير الأولين: أخبار الماضين. ران على قلبِه: غطى عليه. لَمحجوبون: لمطرودون عن أبواب الكرامة. لَصالو الجحيم: داخلون فيها.
تبدأ السورة بحربٍ يعلنها الله على أناسٍ يمتهنون سرقة الناس، سماهم الله "المطفِّفين"، لأن الشيء الذي يأخذونه من حقوق الناس شيءٌ طفيف، ولكنه سرقةٌ وغشّ. أما مَن هم، فهم أولئك الذين يتقاضَون بضاعتهم وافية عند الشراء ويعطونها للناس ناقصةً عند البيع.
ثم جار بصيغة التعجب من عمل هؤلاء المجرمين فقال تعالى:
{ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
ألا يخطر ببال هؤلاء المطفّفين أنهم سيُبْعثون ليوم عظيم الهول، حيث يقف فيه الناس للعرض والحساب!
ولا يخفَى ما في الوصفّ "لربّ العالمين" من الدلالة على عِظَم الذنب في أكلِ أموال الناس بالباطل. فالميزان هو قانونُ العدل الذي قامت به السماوات والأرض.
وبعد ان ذكر اللهُ تعالى أنه لا يزاول التطفيفَ ونقصَ الميزان الا من ينكر يومَ القيامة والبعثَ والجزاء - أمر هنا بالكفّ عما هم فيه، وذكر ان الفجّارَ، كما سمّاهم، قد أُعدّ لهم كتابٌ أُحصيتْ فيه جميع أعمالهم ليحاسَبوا عليها.
{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ، كِتَابٌ مَّرْقُومٌ }
كفّوا عما أنتم عليه، فهناك سِجِلٌ لاعمال الفجّار فيه جميعُ أعمالهم اسمه سِجّين، { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } إنه شيء عظيم ليس مما كنتَ تعلمه يا محمد أنتَ ولا قومك. ان الأمر اكبرُ وأضخم من أن يُحيط به عِلم، فهو { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ }، مسطور له علامة واضحة، لا يُزاد فيه ولا يُنقَص منه،
{ { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [الكهف: 21].
ثم يأتي بالتهديدِ والوعيد لمن يكذّب باليوم الآخِر فيقول:
{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ }
الهلاكُ للجاحدين الذين لا يؤمنون بالآخرة { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } يظلُّ يعتدي على الحق ويُصرّ على الكفر، لأنه من المجرمين الآثمين، حتى إنه: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } منكراً أن القرآن قد نزل من عند الله وزاعماً انه مجرد خرافات وأباطيل عند الأمم السابقة، جاء بها محمد، كما جاء في قوله تعالى:
{ وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الفرقان: 5].
ثم بيّن الله تعالى ان الذي جرّأَهم على الجحود والتمادي في الإصرار على الإنكار والكفر هي افعالهم القبيحة التي مَرَنوا عليها حتى صاروا لا يميزون بين الخُرافة والحجّة الدامغة فقال:
{ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }.
ليس القرآنُ والبعثُ والجزاء من الأساطيرِ والخرافات، بل عَمِيَتْ قلوبُهم وغطّت عليها أفعالُهم وتماديهم في الباطل، فطُمسَ على بصائرهم، والتبست عليهم الأمورُ ولم يدركوا الفرقَ بين الصحيح والباطل.
بعد ذلك ردت عليهم السورة ناقضةً ما كانوا يقولون من أن لهم المنزلة والكرامة يوم القيامة.
{ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }.
أما ما تدّعون من انكم تكونون مقرّبين الى الله يوم القيامة، فهو وهمٌ باطل، فأنتم مطرودون من رحمة الله، ومحجوبون عنه بسبب معاصيكم وجحودكم. وكما قال تعالى:
{ { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77].
ثم بين الله مآلهم ومصيرهم فقال:
{ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو ٱلْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }.
لقد حُجبوا عن القرب من الله، وخابَ ظنُّهم الأثيم، بل إنهم لَذاهبون الى النار حيث يقال لهم تبكيتا: إن هذا العذاب الذي حلّ بكم هو جزاؤكم بما كنتم تكذّبون في الدنيا أخبار الرسولِ الصادق الأمين.
قراءات:
قرأ حفص: بل ران باظهار لام بل، وقرأ الباقون: بل رّان بادغام اللام بالراء، وقرأ اهل الكوفة: رِين بالإمالة.