التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
-الحشر

أيسر التفاسير

{ ٱلْكِتَابِ } { دِيَارِهِمْ } { فَأَتَاهُمُ } { يٰأُوْلِي } { ٱلأَبْصَارِ }
(2) - كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَالَحَ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ فِي المَدِينَةِ عَلَى أَنْ لاَ يَكُونُوا عَلَيهِ وَلاَ لَهُ. فَلَمَّا أُصِيبَ المُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، أَخَذَ اليَهُودُ فِي الدَّسِّ وَالوَقِيعَةِ، وَالتَّأْلِيب عَلَى المُسْلِمِينَ، وَذَهَبَ زَعِيمُهُمْ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ إِلَى مَكَّةَ فَحَالَفَ قُرَيْشاً وَاسْتَحَثّهَا عَلَى حَرْبِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم والمُسْلِمِينَ، واسْتِئْصَالِ شَأْفَتِهِم، وَحَاوَلَ يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِ قَتْلَ الرَّسُولِ بِطَرْحِ حَجَرٍ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحِ أَحَدِ المَنَازِلِ، بَيْنَمَا كَانَ الرَّسُولُ يَجْلِسُ فِي ظِلّهِ. فَأَنْجَاهُ اللهُ مِنْ كَيْدِهِمْ، فَأَمَرَ الرَّسُولُ بِقَتْلِ كَعْبِ بْن الأَشْرَفِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ - غِيْلَةً. وَتَأَهَّبَ المُسْلِمُونَ وَسَارُوا لِقِتَالِ بَنِي النَّضِير. فَتَحَصَّنَ بَنُو النَّضيرِ فِي مَوَاقِعِهِمْ، وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ. وَدَسَّ المُنَافِقُونَ - وَعَلَى رَأْسِهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُّولٍ - إِلَى بَنِي النَّضِيرِ - وَكَانَ حَلِيفاً لَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ - أَنْ لاَ يَخْرُجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ، فَإِنْ قَاتَلَهُم المُسْلِمُونَ فَإِنَّ المُنَافِقِينَ سَيَنْضَمُّونَ إِلَيهِمْ فِي قِتَالِ المُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَخْرَجَهُم المُسْلِمُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ سَيَخْرُجُونَ مَعَهُمْ. وَجَاءَ المُسْلِمُونَ فَحَاصَرُوا بَنِي النَّضِيرِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَقَذَفَ اللهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَئِسُوا مِنْ نَصْرِ المُنَافِقِينَ، فَطَلَبُوا الصُّلْحَ، فَأَبَى الرَّسُولُ إِلاَّ جَلاَءَهُمْ عَنِ المَدِينَةِ، عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ ثَلاَثَةِ أَبْيَاتٍ عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ مَا شَاؤُوا مِنْ مَتَاعِهِمْ فَجَلاَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى الشَّامِ وَالحِيرَةِ. وَعَمَدَ اليَهُودُ إِلَى بُيُوتِهِمْ فَخَرَّبُوهَا لِكَيْلا يَنْتَفِعَ المُسْلِمُونَ بِهَا، وَعَمَدُوا إِلَى مَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَقْلَهُ مِنْ أَثَاثِهِمْ فَدَمَّرُوهُ. وَكَانَ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ وَخَصَّهُ بِهِ.
وَيَقُصُّ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ، فَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ هُوَ الذِي أَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ عَنْ دِيَارِهِمْ، بِعِزَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَكَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ حُشِرُوا فِيهَا وَأُخْرِجُوا مِنَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، لَمْ يُصِبْهُمُ الذُّلُّ قَبْلَهَا، وَكَانَ آخِرُ حَشْرٍ لَهُمْ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ حِينَ أَجْلاَهُمْ مِنْ خَيْبَرَ إِلَى الشَّامِ. وَكَانَ المُسْلِمُونَ لاَ يَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ اليَهُودَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْلَوا عَنِ المَدِينَةِ لِقُوَّتِهِمْ، وَشِدَّةِ بَأْسِهِمْ وَمَنَعَةِ حُصُونِهِمْ، وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَكَانُوا هُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ حُصُونَهُمْ سَتَمْنَعُهُمْ وَسَتَحْمِيهِمْ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ سُوءٌ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، فَاطْمَأَنُّوا إِلَى تِلْكَ القُوَّةِ، وَشَرَعُوا فِي الدَّسِّ وَالكَيْدِ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَلِلمُسْلِمِينَ، فَجَاءَهُمْ بَأْسُ اللهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّعُوا، وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ. وَبَأْسُ اللهِ لاَ يُدْفَعُ وَلاَ يُردُّ إِذَا جَاءَ. وَقَدْ قَذَفَ اللهُ الرُّعْبَ فِي قَلُوبِهِمْ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا الخَوْفُ وَالهَلَعُ حِينَ جَاءَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا المُقَاوَمَةَ بَعْدَ قَتْلِ رَئِيسِهِمْ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، وَبَعْدَ أَنْ نَكَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ المُنَافِقينَ عَنْ إِنْجَادِهِمْ، وَمَدِّ يَدِ العَوْنِ إِلَيْهِمْ، كَمَا وَعَدَهُمْ، وَأَخَذُوا، مِنْ شِدَّةِ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ هَلَعٍ وَرُعْبٍ، يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ، وَيُدَمِّرُونَ أَثَاثَهُمْ، لِكَيْلاَ يَنْتَفِعَ بِهِ المُسْلِمُونَ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُدَمِّرُونَ بُيُوتَهُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ خَارِجِهَا لِيَدْخُلُوهَا عَلَيْهِمْ، فَيَصِلُوا إِلَيهِمْ، وَيَتَمَكَّنُوا مِنْ قِتَالِهِمْ، فَاتَّعِظُوا يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ وَالبَصَائِرِ بِمَا جَرَى عَلَى هَؤُلاَءِِ، وَالعَاقِلُ مَنِ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ.
الحَشْرُ - إِخْرَاجُ جَمْعٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ.
قَذَفَ - أَلْقَى وَأَنْزَلَ إِنْزَالاً شَدِيداً.
الذِينَ كَفَرُوا - هُمْ يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِِ.
لأَِوَّلِ الحَشْرِ - فِي أَوَّلِ إِخْرَاجٍ مِنَ الأَرْضِ.