التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
٦
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ
٧
وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ
١٠
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
١١
-العاديات

صفوة التفاسير

اللغَة: { ضَبْحاً } الضبح: صوت أنفاس الخيل إِذا عدت قال عنترة : والخيلُ تكدح حين تضبح في حياض الموت ضبحاً { أَثَرْنَ } هيَّجن { نَقْعاً } النقعُ: الغبار { كَنُودٌ } كفور جحود لنعمة الله من كند النعمة إِذا كفرها ولم يشكرها قال الشاعر:

كنودٌ لنعماء الرجال ومن يكن كنوداً لنعماء الرجالِ يبعَّد

{ بُعْثِرَ } أثير وقلب من بعثرت المتاع إِذا جعلت أسفله أعلاه.
التفسِير: { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } أي أُقسمُ بخيل المجاهدين المسرعات في الكرّ على العدو، يُسمع لأنفاسها صوتٌ جهير هو الضبحُ قال ابن عباس: الخيل إِذا عدت قالت: أُحْ، أُحْ فذلك ضبحها قال أبو السعود: أقسم سبحانه بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدو وتضبح ضبحاً وهو صوت أنفاسها عند عدوها { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } أي فالخيل التي تخرج شرر النار من الأرض بوقع حوافرها على الحجارة من شدة الجري { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } أي فالخيل التي تغير على العدو وقت الصباح قبل طلوع الشمس قال الألوسي: هذا هو المعتادُ في الغارات، كانوا يعدون ليلاً لئلا يشعر بهم العدو، ويهجمون صباحاً ليروا ما يأتون وما يذرون { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } أي فأثارت الخيل الغبار الكثيف لشدة العدو، في الموضع الذي أغرن به { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } أي فتوسطن به جموع الأعداء، وأصبحن وسط المعركة.. أقسم سبحانه وتعالى بأقسام ثلاثة على أمور ثلاثة، تعظيماً للمقسم به وهو خيل المجاهدين في سبيل الله، التي تسرع على أعداء الله، وتقدح النار بحوافرها، وتُغير على الأعداء وقت الصباح، فتثير الغبار، وتتوسط العدو فتصيبه بالرعب والفزع، أما الأمور التي أقسم عليها فهي قوله { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } أي إِن الإِنسان لجاحد لنعم ربه، شديد الكفران قال ابن عباس: جاحدٌ لنعم الله وقال الحسن: يذكر المصائب وينسى النعم { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } أي وإِن الإِنسان لشاهد على كنوده، لا يقدر أن يجحده لظهور أثره عليه { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } أي وإِنه لشديد الحب للمال حريصٌ على جمعه، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمه ضعيفٌ متقاعس.. ثم بعد أن عدَّد عليه قبائح أفعاله خوَّفه فقال { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } أفلا يعلم هذا الجاهل إِذا أُثير ما في القبور وأُخرج ما فيها من الأموات { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } أي وجمع وأبرز ما في الصدور من الأسرار والخفايا التي كانوا يسرونها { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } إي إنَّ ربهم لعالم بجميع ما كانوا يصنعون، ومجازيهم عليه أوفر الجزاء، وإِنما خص علمه بهم في ذلك اليوم - يوم القيامة - لأنه يوم الجزاء، بقصد الوعيد والتهديد، فهو تعالى عالم بهم في ذلك اليوم وغيره.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- التأكيد بإِنَّ واللام في مواضع مثل { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } زيادة في التقرير والبيان.
2- الجناس غير التام بين { لَشَهِيدٌ } و{ لَشَدِيدٌ } وكذلك { ضَبْحاً } و{ صُبْحاً }.
3- الاستفهام الإِنكاري للتهديد والوعيد { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ }؟
4- التضمين { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } ضمَّن لفظ { لَّخَبِيرٌ } معنى المجازاة أي يجازيهم على أعمالهم.
5- توافق الفواصل مثل { شَهِيدٌ }، { شَدِيدٌ } و{ ٱلصُّدُورِ }، { ٱلْقُبُورِ } الخ. ويسمى "السجع المرصَّع" وهو من المحسنات البديعية.