التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ
١
ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
٣
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
٤
-الاخلاص

صفوة التفاسير

اللغَة: { ٱلصَّمَدُ } السيد المقصود في قضاء الحاجات قال الشاعر:

ألا بكَّر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

{ كُفُواً } الكُفُوءُ: النظير والشبيه قال أبو عبيدة: يقال: كفُو، وكفء، وكفاء كلها بمعنى واحد وهو المِثْل والنظير.
سَبَبُ النّزول: روي أن بعض المشركين جاءوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربَّك، أمن ذهبٍ هو، أم من فضة، أم من زبرجد، أم من ياقوت؟! فنزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ.. } السورة.
التفسِير: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: إِن ربي الذي أعبده، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له، ولا شبيه له ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو جل وعلا واحد أحد، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث "الآب، والابن، وروح القدس" ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة قال في التسهيل: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ، كلها صحيحة في حقه تعالى: الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد، والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره أي لا نظير له والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والمراد بالسورة نفي الشريك رداً على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى، وذلك كثير جداً، وأوضحها أربعة براهين: الأول؛ قوله تعالى
{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [النحل: 17] - وهذا دليل الخلق والإِيجاد - فإِذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات، لم يصح أن يكون واحد منها شريكاً له والثاني: قوله تعالى { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] - وهو دليل الإِحكام والإِبداع - الثالث: قوله تعالى { لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [الإِسراء: 42] - وهو دليل القهر والغلبة - الرابع: قوله تعالى { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [المؤمنون: 91] - وهو دليل التنازع والاستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته واستغناءه عن الخلق فقال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي هو جل وعلا المقصود في الحوائج على الدوام، يحتاج إِليه الخلق وهو مستغنٍ عن العالمين قال الألوسي: الصَّمد السيدُ الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمدُ إِليه - أي يلجأ إِليه - الناسُ في حوائجهم وأمورهم { لَمْ يَلِدْ } أي لم يتخذ ولداً، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، منزَّه عن النقائص قال المفسرون: في الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً، كاليهود في قولهم { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30] والنصارى في قولهم { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30] وكمشركي العرب في زعمهم أن (الملائكة بنات الله) فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده، والله تعالى أزلي قديم، ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد،ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } [الأنعام: 101]؟! { وَلَمْ يُولَدْ } أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إِحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لا ابتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي وليس له جل وعلا مثيلٌ، ولا نظير، ولا شبيه أحدٌ من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11] قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدَّس وتنزَّه، وفي الحديث القدسي "يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إِياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إِعادته، وأما شتمه إِياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد" .
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- ذكر الاسم الجليل بضمير الشأن { قُلْ هُوَ } للتعظيم والتفخيم.
2- تعريف الطرفين { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } لإِفادة التخصيص.
3- الجناس الناقص { لَمْ يَلِدْ } { وَلَمْ يُولَدْ } لتغير الشكل وبعض الحروف.
4- التجريد فإِن قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الكفء والولد، وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } هو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في العموم وذلك زيادة في الايضاح والبيان.
5- السجع المرصَّع وهو من المحسنات البديعية { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
لطيفَة: هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات، وقد جاءت في غاية الإِيجاز والإِعجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية، ونفت التعدد { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وأثبتت الثانية كماله تعالى، ونفت النقص والعجز { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وأثبتت الرابعة عظمته وجلاله ونفت الأنداد والأضداد { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فالسورة إِثبات لصفات الجلال والكمال، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقائص.
فَائِدَة: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فكأنما قرأ بثلث القرآن" قال العلماء: وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف، فإِن علوم القرآن ثلاثة: "توحيد، وأحكام وقصص" وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد، فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وقيل: إِن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، والله أعلم.