التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
١
وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
٢
وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٣
مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ
٤
ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥
ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً
٧
لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً
٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً
٩
إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ
١٠
هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً
١١
وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً
١٢
وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً
١٣
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً
١٤
وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً
١٥
قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٦
قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٧
قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٨
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٩
يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً
٢٠
-الأحزاب

صفوة التفاسير

اللغَة: { أَدْعِيَآءَكُمْ } جمع دعيّ وهو الولد المتبنَّى من أبناء الغير قال في اللسان: والدَّعيُ: المنسوب إلى غير أبيه، قال الشاعر:

دعيُّ القوم ينصرُ مدَّعيهِ لِيُلْحقه بذي النَّسب الصَّميم
أبي الإِسلامُ لا أبَ لي سِواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم

{ أَقْسَطُ } أعدلُ يقال: أقسطَ الرجلُ إذا عدل، وقسطَ إذا ظلم، والقسطُ: العدلُ. { مَسْطُوراً } أي مسطَّراً مكتوباً لا يُمحى. { مِيثَاقَهُمْ } الميثاقُ: العهد المؤكد بيمين أو نحوه. { ٱلْحَنَاجِرَ } جمع حَنْجرة وهي نهاية الحلقوم مدخل الطعام والشراب. { يَثْرِبَ } اسم المدينة المنورة وسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة. { عَوْرَةٌ } خالية من الرجال غير محصَّنة يقال: دارٌ مُعْورة إذا كان يسهل دخولُها، قال الجوهري: العَوْرة كلُّ خلل يُتخوف منه في ثَغر أو حرب. { أَقْطَارِهَا } جمع قُطْر وهو الناحية والجانب. { يَعْصِمُكُمْ } يمنعكم. { ٱلْمُعَوِّقِينَ } المثبطين مشتق من عاقه إذا صرفه.
سَبَبُ النّزول: أ - روي أن رجلاً من قريش يُدعى "جميل بن مَعْمر" كان لبيباً حافظاً لما يسمع, فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان في جوفه فأنزل الله { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ.. } الآية.
ب - وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد غزوة تبوك أمر الناس بالتجهز والخروج لها، فقال أناس: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فأنزل الله { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.. } الآية.
التفسِير: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } النداء على سبيل التشريف والتكرمة لأن لفظ النبوة مشعر بالتعظيم والتكريم أي اثبتْ على تقوى الله ودُمْ عليها، قال أبو السعود: في ندائه صلى الله عليه وسلم بعنوان النبوة تنويهٌ بشأنه، وتنبيهٌ على سمو مكانه، والمراد بالتقوى المأمور به الثباتُ عليه والازديادُ منه، فإِنَّ له باباً واسعاً ومكاناً عريضاً لا يُنال مداه { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } أي ولا تطع أهل الكفر والنفاق فيما يدعونك إليه من اللين والتساهل، وعدم التعرض لآلهتهم بسوء، ولا تقبل أقوالهم وإِن أظهروا أنها نصيحة، قال المفسرون: دعا المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفض ذكر آلهتهم بسوء، وأن يقول إن لها شفاعة، فكره صلى الله عليه وسلم ذلك ونزلت الآية { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي إنه تعالى عالم بأعمال العباد وما يضمرونه في نفوسهم، حكيم في تدبير شؤونهم { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ } أي واعمل بما يوحيه إليك ربك من الشرع القويم، والدين الحكيم، واستمسك بالقرآن المنزل عليك { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي خبيرٌ بأعمالكم لا تخفى عليه خافية من شئونكم، وهو مجازيكم عليها { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ } أي اعتمد عليه، والجأ في جميع أمورك إليه { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أي حسبك أن يكون الله حافظاً وناصراً لك ولأصحابك، ثم ردَّ تعالى مزاعم الجاهليين ببيان الحق الساطع فقال: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } أي ما خلق الله لأحدٍ من الناس أياً كان قلبين في صدره، قال مجاهد: نزلت في رجلٍ من قريش كان يُدعى "ذا القلبين" من دهائه, وكان يقول: إنَّ في جوفي قلبين أعقل بكلِ واحدٍ منهما أفضل من عقل محمد { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } أي وما جعل زوجاتكم اللواتي تظاهرون منهنَّ أمهاتكم، قال ابن الجوزي: أعلمَ تعالى أن الزوجة لا تكونُ أُماً، وكانت الجاهلية تُطلّق بهذا الكلام وهو أن يقول لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } أي وما جعل الأبناء من التبني الذين ليسوا من أصلابكم أبناءً لكم حقيقةً { ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } أي دعاؤهم أبناء مجرد قول بالفم لا حقيقة له من الواقع { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ } أي والله تعالى يقول الحقَّ الموافق للواقع، والمطابق له من كل الوجوه { وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } أي يرشد إلى الصراط المستقيم، والغرضُ من الآية التنبيهُ على بطلان مزاعم الجاهلية، فكما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها أماً، ولا الولد المتبنَّى ابناً، لأن الأم الحقيقية هي التي ولدته، والابن الحقيقي هو الذي وُلد من صلب الرجل، فكيف يجعلون الزوجات المظاهر منهن أمهات؟ وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناءً لهم مع أنهم ليسوا من أصلابهم؟ ثم أمر تعالى بردّ نسب هؤلاء إلى آبائهم فقال: { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أي انسبوا هؤلاء الذين جعلتموهم لكم أبناء لآبائهم الأصلاء { هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أي هو أعدلُ وأقسط في حكم الله وشرعه قال ابن جرير: أي دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله وأصدقُ وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } أي فإِن لم تعرفوا آباءهم الأصلاء فتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الإِسلام { وَمَوَالِيكُمْ } أي أولياؤكم في الدين، فليقل أحدكم: يا أخي ويا مولاي يقصد أخوَّة الدين وولايته، قال ابن كثير: أمر تعالى بردّ أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عُرفوا، فإِن لم يُعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم، عوضاً عما فاتهم من النسب، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة:
"أنت أخونا ومولانا" وقال ابن عمر: ما كنا ندعو "زيد ابن حارثة" إلا زيد بن محمد حتى نزلت { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي وليس عليكم أيها المؤمنون ذنبٌ أو إثم فيمن نسبتموهم إلى غير آبائهم خطأً { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } أي ولكنَّ الإِثم فيما تقصدتم وتعمدتم نسبته إلى غير أبيه { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي واسع المغفرة عظيم الرحمة, يعفو عن المخطئ ويرحم المؤمن التائب، ثم بيَّن تعالى شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحه لهم فقال: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي هو عليه السلام أرأف بهم وأعطف عليهم، وأحقُّ بهم من أنفسهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ وطاعته أوجب { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي وزوجاتُه الطاهرات أمهات المؤمنين في وجوب تعظيمهن واحترامهن، وتحريم نكاحهنَّ قال أبو السعود: أي منزّلات منزلة الأمهات، في التحريم واستحقاق التعظيم، وأما فيما عدا ذلك فهنَّ كالأجنبيات { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ } أي أهل القرابات { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } أي أحقُّ بالإِرث من المهاجرين والأنصار في شرع الله ودينه { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } أي إلاّ أن تحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين والمهاجرين في حياتكم، أو توصوا إليهم عند الموت فإِن ذلك جائز، وبسط اليد بالمعروف مما حثَّ الله عباده عليه قال المفسرون: وهذا نسخٌ لما كان في صدر الإِسلام من توارث المسلمين من بعضهم بالأخوة الإِيمانية وبالهجرة ونحوها { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } أي كان حكم التوارث بين ذوي الأرحام مكتوباً مسطراً في الكتاب العزيز لا يبدل ولا يُغير، قال قتادة: أي مكتوباً عند الله عز وجل أَلاَّ يرث كافر مسلماً { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } أي اذكر وقت أخذنا من النبيين عهدهم المؤكد باليمين، أن يفوا بما التزموا، وأن يصدِّق بعضهم بعضاً, وأن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالاتهم { وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي وأخذنا منك يا محمد الميثاق ومن نوح وإِبراهيم وموسى وعيسى، وهؤلاء هم أولو العزم ومشاهير الرسل، وإِنما قدَّمه صلى الله عليه وسلم في الذكر لبيان مزيد شرفه وتعظيمه، قال البيضاوي: خصَّهم بالذكر لأنهم مشاهير أرباب الشرائع، وقدَّم نبينا عليه الصلاة والسلام تعظيماً له وتكريماً لشأنه وقال ابن كثير: بدأ بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه، وبياناً لعظم مكانته، ثم رتبهم بحسب وجودهم في الزمان { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } أي وأخذنا من الأنبياء عهداً وثيقاً عظيماً على الوفاء بما التزموا به من تبليغ الرسالة { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } أي ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الصادقين عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، قال الصاوي: والحكمة في سؤال الرسل مع علمه تعالى بصدقهم هو التقبيح على الكفار يوم القيامة وتبكيتهم وقال القرطبي: وفي الآية تنبيه على أن الأنبياء إذا كانوا يُسألون يوم القيامة فكيف بمن سواهم؟ وفائدة سؤالهم توبيخ الكفار كما قال تعالى لعيسى: { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ } [المائدة: 116] { وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } أي وأعد الله للكافرين عذاباً مؤلماً موجعاً، بسبب كفرهم وإِعراضهم عن قبول الحق، ثم شرع تعالى في ذكر "غزوة الأحزاب" وما فيها من نِعَمٍ فائضة، وآيات باهرة للمؤمنين فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي اذكروا فضله وإِنعامه عليكم { إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ } أي وقت مجيء جنود الأحزاب وتألبهم عليكم، قال أبو السعود: والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة وبني النضير، وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلام بإِقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإِشارة "سلمان الفارسي" ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب معسكره والخندقُ بينه وبين المشركين، واشتد الخوف وظنَّ المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق في المنافقين حتى قال "معتب بن قشير" يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } أي فأرسلنا على الأحزاب ريحاً شديدة وجنوداً من الملائكة لم تروهم وكانوا قرابة ألف قال المفسرون: بعث الله عليهم ريحاً عاصفاً وهي ريح الصبا في ليلة شديدة البرد والظلمة، فقلعت بيوتهم، وكفأت قدورهم، وصارت تلقي الرجل على الأرض، وأرسل الله الملائكة فزلزلتهم ـ ولم تقاتل ـ بل ألقت في قلوبهم الرعب { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } أي وهو تعالى مطلع على ما تعملون من حفر الخندق، والثبات على معاونة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ } أي حين جاءتكم الأحزاب من فوق الوادي يعني من أعلاه قبل المشرق، ومنه جاءت أسد وغطفان { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } أي ومن أسفل الوادي يعني أدناه قِبل المغرب، ومنه جاء قريش وكنانة وأوباش العرب، والغرضُ أن المشركين جاءوهم من جهة المشرق والمغرب، وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، وأعانهم يهود بني قريظة فنقضوا العهد مع الرسول وانضموا إلى المشركين، فاشتد الخوف، وعظُم البلاء ولهذا قال تعالى { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ } أي وحين مالت الأَبصار عن سننها ومستوى نظرها حيرةً وشخوصاً لشدة الهول والرعب { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى كادت تبلغ الحناجر، وهذا تمثيلٌ لشدة الرعب والفزع الذي دهاهم، حتى كأن أحدهم قد وصل قلبه إلى حنجرته من شدة ما يلاقي من الهول { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } أي وكنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة، قال الحسن البصري: ظن المنافقون أن المسلمين يُستأصلون، وظنَّ المؤمنون أنهم يُنصرون، فالمؤمنون ظنوا خيراً، والمنافقون ظنوا شراً، وقال ابن عطية: كاد المؤمنون يضطربون ويقولون: ما هذا الخُلف للوعد؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين لا يمكن للبشر دفعها، وأما المنافقون فتعجلوا ونطقوا وقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي في ذلك الزمان والمكان امتحن المؤمنون واختبروا، ليتميز المخلص الصادق من المنافق قال القرطبي: وكان هذا الابتلاءُ بالخوف والقتال، والجوع والحصر والنزال { وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } أي وحرّكوا تحريكاً عنيفاً من شدة ما دهاهم، حتى لكأن الأرض تتزلزل بهم وتضطرب تحت أقدامهم، قال ابن جزي: وأصل الزلزلة شدةُ التحريك وهو هنا عبارة عن اضطراب القلوب وتزعزعها { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي واذكر حين يقول المنافقون، والذين في قلوبهم مرض النفاق، لأن الإِيمان لم يخالط قلوبهم { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } أي وما وعدنا الله ورسوله إلا باطلاً وخداعاً، قال الصاوي: والقائل هو "معتب بن قشير" الذي قال: يعدنا محمدٌ بفتح فارس والروم، وأحدُنا لا يقدر أن يتبرز فرقاً، ما هذا إلا وعد غرور، يغرنا به محمد { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } أي واذكر حين قالت جماعة من المنافقين وهم: أوس بن قيظي وأتباعه، وأُبيُّ بن سلول وأشياعه { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي يا أهل المدينة لا قرار لكم هٰهنا ولا إقامة { فَٱرْجِعُواْ } أي فارجعوا إلى منازلكم واتركوا محمداً وأصحابه { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ } ويستأذن جماعة من المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم في الإِنصراف متعللين بعلل واهية { يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أي غير حصينة فنخاف عليها العدوَّ والسُّراق { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } تكذيب من الله تعالى لهم أي ليس الأمر كما يزعمون { إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } أي ما يريدون بما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الهرب من القتال، والفرار من الجهاد، والتعبيرُ بالمضارع { وَيَسْتَأْذِنُ } لاستحضار الصورة في النفس، فكأن السامع يبصرهم الآن وهم يستأذنون، ثم فضحهم تعالى وبيَّن كذبهم ونفاقهم فقال: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا } أي ولو دخل الأعداء على هؤلاء المنافقين من جميع نواحي المدينة وجوانبها { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } أي ثم طلب إليهم أن يكفروا وأن يقاتلوا المسلمين لأعطوها من أنفسهم { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } أي لفعلوا ذلك مسرعين، ولم يتأخروا عنه لشدة فسادهم، وذهاب الحق من نفوسهم، فهم لا يحافظون على الإِيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، وهذا ذمٌ لهم في غاية الذم { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } أي ولقد كان هؤلاء المنافقون أعطوا ربهم العهود والمواثيق من قبل غزوة الخندق وبعد بدر ألا يفروا من القتال { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } أي وكان هذا العهد منهم جديراً بالوفاء لأنهم سيسألون عنه، وفيه تهديدٌ ووعيد، قال قتادة: لما غاب المنافقون عن بدر، ورأوا ما أعطى الله أهل بدرٍ من الكرامة والنصر، قالوا لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ } أي قل يا أيها النبي لهؤلاء المنافقين، الذين يفرون من القتال طمعاً في البقاء وحرصاً على الحياة، إن فراركم لن يطوّل أعماركم ولن يؤخر آجالكم، ولن يدفع الموت عنكم أبداً { وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي ولئن هربتم وفررتم فإِذاً لا تمتعون بعده إلا زمناً يسيراً، لأن الموت مآل كل حي، ومن لم يمت بالسيفِ مات بغيره { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي من يستطيع أن يمنعكم منه تعالى { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } أي إن قدَّر هلاككم ودماركم، أو قدَّر بقاءكم ونصركم؟ { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي وليس لهم من دون الله مجير ولا مغيث، فلا قريب ينفعهم ولا ناصر ينصرهم { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } أي لقد علم الله تعالى ما كان من أمر أولئك المنافقين، المثبطين للعزائم، الذين يعّوقون الناس عن الجهاد، ويصدونهم عن القتال { وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي والذين يقولون لإِخوانهم في الكفر والنفاق: تعالوا إلينا واتركوا محمداً وصحبه يهلكوا ولا تقاتلوا معهم، قال تعالى: { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي ولا يحضرون القتال إلا قليلاً منهم رياءً وسمعة، قال الصاوي: لأن شأن من يثبّط غيره عن الحرب ألاّ يفعله إلا قليلاً لغرضٍ خبيث وقال في البحر: المعنى: لا يأتون القتال إلا إتياناً قليلاً، يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم، ولا تراهم يقاتلون إلا شيئاً قليلاً إذا اضطروا إليه، فقتالُهم رياء ليس بحقيقة { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } أي بخلاء عليكم بالمودة والشفقة والنصح لأنهم لا يريدون لكم الخير { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي فإِذا حضر القتال رأيت أولئك المنافقين في شدة رعب لا مثيل لها، حتى إنهم لتدور أعينهم في أحداقهم كحال المغشي عليه من معالجة سكرات الموت حَذراً وخَوراً، قال القرطبي: وصفهم بالجبن، وكذا سبيل الجبان ينظر يميناً وشمالاً محدّداً بصره، وربما غُشي عليه من شدة الخوف { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أي فإِذا ذهب الخوف عنهم وانجلت المعركة آذوكم بالكلام بألسنة سليطة، وبالغوا فيكم طعناً وذماً، قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة بسطوا ألسنتهم فيكم يقولون: أعطونا أعطونا فإِنا قد شهدنا معكم، ولستم أحقَّ بها منا، فأما عند البأس فأجبن قومٍ وأخذلهم للحق، وأمّا عند الغنيمة فأشح قوم وأبسطهم لساناً { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } أي خاطبوكم بما خاطبوكم به حال كونهم أشحة أي بخلاء على المال والغنيمة { أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر من صفات السوء، لم يؤمنوا حقيقةً بقلوبهم وإِن أسلموا ظاهراً { فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها بسبب كفرهم ونفاقهم، لأن الإِيمان شرط في قبول الأعمال { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } أي وكان ذلك الإِحباط سهلاً هيناً على الله، ثم أخبر تعالى عنهم بما يدل على جبنهم فقال: { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } أي يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم أن الأحزاب ـ وهم كفار قريش ومن تحزب معهم ـ بعد انهزامهم لم ينصرفوا عن المدينة وهم قد انصرفوا { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ } أي وإِن يرجع إليهم الكفار كرة ثانية للقتال يتمنوا لشدة جزعهم أن يكونوا في البادية من الأعراب ـ لا في المدينة معكم ـ حذراً من القتل وتربصاً للدوائر { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ } أي يسألون عن أخباركم وما وقع لكم فيقولون: أهلك المؤمنون؟ أغلب أبو سفيان؟ ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي ولو أنهم كانوا بينكم وقت القتال واحتدام المعركة ما قاتلوا معكم إلا قتالاً قليلاً، لجبنهم وذلتهم وحرصهم على الحياة.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1- التنكير لإِفادة الاستغراق والشمول { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ } وإِدخال حرف الجر الزائد لتأكيد الاستغراق، وذكر الجوف { فِي جَوْفِهِ } لزيادة التصوير في الإِنكار.
2- جناس الاشتقاق { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }.
3- الطباق بين { أَخْطَأْتُمْ ..و.. تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } وبين { سُوۤء ..و.. رَحْمَةً } لأن المراد بالسوء الشر، وبالرحمة الخير.
4- التشبيه البليغ { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } حُذف منه وجه الشبه وأداة التشبيه فصار بليغاً، وأصل الكلام وأزواجه مثل أمهاتهم في وجوب الاحترام والتعظيم، والإِجلال والتكريم.
5- المجاز بالحذف { أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } أي أولى بميراث بعض.
6- ذكر الخاص بعد العام للتشريف { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } فقد دخل هؤلاء المذكورون في جملة النبيين ولكنه خصهم بالذكر تنويهاً بشأنهم وتشريفاً لهم.
7- الاستعارة { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } استعار الشيء الحسي ـ وهو الغلظُ الخاص بالأجسام ـ للشيء المعنوي وهو بيان حرمة الميثاق وعظمه وثقل حمله.
8- الالتفات { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ } وغرضه التبكيت والتقبيح للمشركين.
9- الطباق بين { مِّن فَوْقِكُمْ ..و.. أَسْفَلَ مِنكُمْ }.
10- التشبيه التمثيلي { تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } لأن وجه الشبه منتزع من متعدد.
11- المبالغة في التمثيل { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } صوَّر القلوب في خفقانها واضطرابها كأنها وصلت إلى الحلقوم.
12- الكناية { لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } كناية عن الفرار من الزحف.
13- الاستعارة المكنية { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } شبَّه اللسان بالسيف المصلت وحذف ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو السلق بمعنى الضرب على طريق الاستعارة المكنية، ولفظ { حِدَادٍ } ترشيح.
14- توافق الفواصل في الحرف الأخير مثل { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً .. مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } ونحوه وهو يزيد في رونق الكلام وجماله، لما له من وقع رائع، وجرْس عذب.
تنبيه: خاطب الله تعالى الأنبياء بأسمائهم فقال
{ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا } [هود: 48]، { يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } [الصافات: 104ـ105]، { يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [الأعراف: 144] ولم يخاطب الرسول إلا بلفظ النبوة والرسالة { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } [الأنفال: 64]، { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [المائدة: 67] الخ ولا نجد في القرآن العظيم كله نداءً له باسمه، وإِنما النداء بلفظ النبوة والرسالة، وفي هذا تفخيم لشأنه، وتعظيم لمقامه، وإشارة إلى أنه سيد الأولين والآخرين، وإِمام الأنبياء والمرسلين، وتعليم لنا الأدب معه صلى الله عليه وسلم، فلا نذكره إلا مع الإِجلال والإِكرام، ولا نصفه إلا بالوصف الأكمل { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [النور: 63]، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } [الحجرات: 3] الآية.
لطيفَة: إن قيل: ما الفائدة بأمر اللهِ رسوله بالتقوى وهو سيد المتقين؟ فالجواب أنه أمرٌ بالثبات والاستدامة على التقوى كقوله
{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ } [النساء: 136] أي اثبتوا على الإِيمان وكقول المسلم: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] وهو مهتد إليه وغرضه ثبتنا على الصراط المستقيم، أو نقول: الخطاب للرسول والمراد أمته.