التفاسير

< >
عرض

وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٣٩
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
٤٠
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ
٤١
مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ
٤٢
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ
٤٣
فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ
٤٤
فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ
٤٥
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٤٦
وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
٤٧
وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ
٤٨
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٤٩
فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥١
كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٥٢
أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٥٣
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ
٥٤
وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٥٥
وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
٥٦
مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ
٥٧
إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ
٥٨
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ
٥٩
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٦٠
-الذاريات

صفوة التفاسير

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قصة ضيف إِبراهيم الذين أُرسلوا لهلاك قوم لوط أتبعه بذكر قصص الأمم الطاغية، فذكر منهم فرعون وجنوده، وعاداً، وثمود، وقوم نوح، تسلية للنبي عليه السلام، وتذكيراً للأنام بانتقام الله من أعدائه وأعداء رسله، ثم ذكر دلائل القدرة والوحدانية، وختم السورة الكريمة بإِنذار المكذبين الضالين.
اللغَة: { نَبَذْنَاهُمْ } طرحناهم { ٱلْيَمِّ } البحر { مُلِيمٌ } آتٍ بما يلام عليه { ٱلرَّمِيمِ } الشيء الهالك البالي قال الزجاج: الرميمُ: الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم، ورمَّ العظم إِذا بلي فهو رِمَّة ورميم قال جرير يرثي ابنه:

تركْتني حين كفَّ الدهر من بصري وإِذْ بقيتُ كعظم الرمَّة البالي

{ ٱلْمَاهِدُونَ } مهدتُ الفراش مهداً بسطته ووطأته، والتمهيد تسوية الشيء وإِصلاحه { ذَنُوباً } الذَّنوب: بفتح الذال النصيب من العذاب.
التفِسير: { وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } أي وجعلنا في قصة موسى أيضاً آيةً وعبرة وقت إِرسالنا له إِلى فرعون { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بحجة واضحة ودليلٍ باهر { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } أي فأعرض عن الإِيمان بموسى بجموعه وأجناده، وقوته وسلطانه قال مجاهد: تعزَّز عدوُّ الله بأصحابه والغرض أن فرعون أعرض عن الإِيمان بسبب ما كان يتقوى به من جنوده لأنهم كانوا له كالركن الذي يعتمد عليه البنيان { وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } أي وقال اللعين في شأن موسى إِنه ساحرٌ ولذلك أتى بهذه الخوارق، أو مجنون ولذلك ادَّعى الرسالة، وإِنما قال ذلك تمويهاً على قومه لا شكاً منه في صدق موسى { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ } أي فأخذنا فرعون مع أصحابه وجنوده { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ } أي فطرحناهم في البحر لما أغضبونا وكذبوا رسولنا { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي وهو آتٍ بما يلام عليه من الكفر والطغيان.. ثم لما انتهى من قصة فرعون أعقبها بذكر قصة عاد فقال { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } أي وجعلنا في قصة عاد كذلك آية لمن تأمل حين أرسلنا عليهم الريح المدمرة، التي لا خير فيها ولا بركة، لأنها لا تحمل المطر ولا تلقّح الشجر، وإِنما هي للإِهلاك، وهي الريح التي تسمَّى الدبور وفي الصحيح
"نُصرت بالصبا وأُهلكت عادٌ بالدَّبور" قال المفسرون: سميت { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } تشبيهاً لها بعقم المرأة الي لا تحمل ولا تلد، ولما كانت هذه الريح لا تلقح سحاباً ولا شجراً، ولا خير فيها ولا بركة لأنها لا تحمل المطر شبهت بالمرأة العقيم { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ } أي ما تترك شيئاً مرَّت عليه في طريقها مما أراد الله تدميره وإِهلاكه { إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } أي إِلا جعلته كالهشيم المتفتت البالي قال ابن عباس: { كَٱلرَّمِيمِ } الشيء الهالك البالي وقال السدي: هو التراب والرماد المدقوق كقوله تعالى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [الأحقاف: 25] قال المفسرون: كانت الريح التي أرسلها الله عليهم ريحاً صرصراً عاتية، استمرت عليهم ثمانية أيام متتابعة، فكانت تهدم البنيان وتنتزع الرجال فترفعهم إِلى السماء حتى يرى الواحد منهم كالطير ثم ترمي به إلى الأرض جثة هامدة { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة: 7] .. ثم أخبر تعالى عن هلاك ثمود فقال { وَفِي ثَمُودَ } أي وجعلنا ثمود أيضاً آية وعبرة { إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } أي حين قيل لهم عيشوا متمتعين بالدنيا إِلى وقت الهلاك بعد عقرهم للناقة، وهو ثلاثة أيام كما في هود { فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [هود: 65] { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } أي فاستكبروا عن امتثال أمر الله، وعصوا رسولهم فعقروا الناقة { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } أي فأخذتهم الصيحة المهلكة - صيحة العذاب - { وَهُمْ يَنظُرُونَ } أي وهم يشاهدونها ويعاينونها لأنها جاءتهم في وضح النهار قال ابن كثير: وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار وقال الألوسي: إِن صالحاً عليه السلام وعدهم بالهلاك بعد ثلاثة أيام وقال لهم: تصبح وجوهكم غداً مصفرة، وبعد غد محمرة، وفي اليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا الآيات التي بينها عليه السلام عمدوا إِلى قتله فنجاه الله، وفي اليوم الرابع أتتهم الصاعقة وهي نار من السماء وقيل صيحة فهلكوا { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ } أي ما قدروا على الهرب والنهوض من شدة الصيحة، بل أصبحوا في ديارهم جاثمين { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } أي وما كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع عنها العذاب.. ثم أخبر تعالى عن هلاك قوم نوح فقال: { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } أي وأهلكنا قوم نوحٍ بالطوفان من قبل إِهلاك هؤلاء المذكورين { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } تعليلٌ للهلاك أي لأنهم كانوا فسقةً خارجين عن طاعة الرحمن بارتكابهم الكفر والعصيان.. ولما انتهى من أخبار هلاك الأمم الطاغية المكذبة، شرع في بيان دلائل القدرة والوحدانية فقال { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ } أي وشيدنا السماء وأحكمنا خلقها بقوةٍ وقدرة قال ابن عباس: { بِأَيْدٍ } بقوة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أي وإِنا لموسعون في خلق السماء، فإِن الأرض وما يحيط بها من الهواء والماء بالنسبة لها كحلقة صغيرة في فلاة كما ورد في الأحاديث وقال ابن عباس: { لَمُوسِعُونَ } أي لقادرون، من الوسع بمعنى الطاقة { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أي والأرض مهدناها لتستقروا عليها، وبسطناها لكم ومددنا فيها لتنتفعوا بها بالطرقات وأنواع المزروعات، ولا ينافي ذلك كرويتها، فذلك أمرٌ مقطوع به، فإِنها مع كرويتها واسعة ممتدة، فيها السهول الفسيحة، والبقاع الواسعة، مع الجبال والهضاب ولهذا قال تعالى { فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } أي فنعم الباسطون الموسعون لها نحن، وصيغة الجمع للتعظيم { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين ذكراً وأنثى، وحلواً وحامضاً ونحو ذلك { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي كي تتذكروا عظمة الله فتؤمنوا به، وتعلموا أن خالق الأزواج واحد أحد { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أي الجأوا إِلى الله، واهرعوا إِلى توحيده وطاعته قال أبو حيان: والأمر بالفرار إِلى الله أمرٌ بالدخول في الإِيمان وطاعة الرحمن، وإِنما ذكر بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً، وأمرٌ حقه أن يُفر منه، فقد جمعت اللفظة بين التحذير والاستدعاء، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ملجأ ولا منجى منك إِلا إِليك" وقال ابن الجوزي: المعنى اهربوا مما يوجب العقاب من الكفر والعصيان، إِلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإِيمان { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ } أي إِني أنذركم عذاب الله وأخوفكم انتقامه { مُّبِينٌ } أي واضحٌ أمري فقد أيدني الله بالمعجزات الباهرات { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } أي لا تشركوا مع الله أحداً من بشر أو حجر { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } كرر اللفظ للتأكيد والتنبيه إِلى خطر الإِشراك بالله قال الخازن: وإِنما كرر اللفظ عند الأمر بالطاعة، والنهي عن الشرك، ليعلم أن الإِيمان لا ينفع إِلاّ مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إِلا مع الإِيمان، وأنه لا يفوز وينجو عند الله إِلاّ الجامع بينهما { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي كما كذبك قومك يا محمد، وقالوا عنك إِنك ساحرٌ أو مجنون، كذلك قال المكذبون الأولون لرسلهم، فلا تحزن لما يقول المجرمون { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أي هل أوصى أولهُم آخرهم بالتكذيب؟ وهو استفهام للتعجب من إِجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة، ثم أضرب عن هذا النفي والتوبيخ فقال { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } أي لم يوص بعضهم بعضاً بذلك، بل حملهم الطغيان على التكذيب والعصيان فلذلك قالوا ما قالوا { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي فأعرض يا محمد عنهم { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } أي فلا لوم عليك ولا عتاب، لأنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، وبذلت الجهد في النصح والإِرشاد { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي لا تدع التذكير والموعظة فإِن القلوب المؤمنة تنتفع وتتأثر بالموعظة الحسنة.. ثم ذكر تعالى الغاية من خلق الخلق فقال { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } أي وما خلقت الثقلين الإِنس والجن إِلا لعبادتي وتوحيدي، لا لطلب الدنيا والانهماك بها قال ابن عباس: { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } إِلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً وقال مجاهد: إِلا ليعرفوني قال الرازي: لما بيَّن تعالى حال المكذبين ذكر هذه الآية ليبيّن سوء صنيعهم حيث تركوا عبادة الله مع أن خلقهم لم يكن إِلا للعبادة { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } أي لا أريد منهم أن يرزقوني أو يرزقوا أنفسهم أو غيرهم بل أنا الرزَّاق المعطي { وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } أي ولا أُريد منهم أن يطعموا خلقي ولا أن يطعموني فأنا الغني الحميد قال البيضاوي: والمراد أن يبيّن أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإِنهم إِنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، فكأنه سبحانه يقول: ما أريد أن أستعين بهم كما يستعين السادة بعبيدهم، فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } أي إِنه جل وعلا هو الرازق، المتكفل بأرزاق العباد وحاجاتهم، أتى باسم الجلالة الظاهر للتفخيم والتعظيم، وأكد الجملة بإِن والضمير المنفصل لقطع أوهام الخلق في أمور الرزق، وليقوي اعتمادهم على الله { ذُو ٱلْقُوَّةِ } أي ذو القدرة الباهرة { ٱلْمَتِينُ } أي شديد القوة لا يطرأ عليه عجزٌ ولا ضعف قال ابن كثير: أخبر تعالى أنه غير محتاج إِليهم، بل هم الفقراء إِلى الله في جميع أحوالهم فهو خالقهم ورازقهم، وفي الحديث القدسي "يا بان آدم تفرَّغ لعبادتي أملأُ صدرك غنى، وإِلا تفعل ملأتُ صدرك شغلاً ولم أسدَّ فقرك" { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي فإِن لهؤلاء الكفار الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم نصيباً من العذاب مثل نصيب أسلافهم الذين أُهلكوا كقوم نحو وعاد وثمود { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } أي فلا يتعجلوا عذابي فإِنه واقع لا محالة إِن عاجلاً أو آجلاً { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } أي هلاك ودمار وشدة عذاب لهؤلاء الكفار في يوم القيامة الذي وعدهم الله به.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1- الطباق
{ وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [الذاريات: 19] لأن السائل الطالب، والمحروم المتعفف.
2- تأكيد الخبر بالقسم وإِنَّ واللام
{ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } [الذاريات: 23] ويسمى هذا الضرب إنكارياً، لأن المخاطب منكر لذلك.
3- أسلوب التشويق والتفخيم
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [الذاريات: 24].
4- الاستعارة { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } استعار الركن للجنود والجموع لأنه يحصل بهم التقوى والاعتماد كما يعتمد على الركن في البناء أو استعارة للقوة والشدة.
5- المجاز العقلي { وَهُوَ مُلِيمٌ } أطلق اسم الفاعل على اسم المفعول أي ملام على طغيانه.
6- الاستعارة التبعية { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } شبه إِهلاكهم وقطع دابرهم بعقم النساء وعدم حملهن ثم أطلق المشبه به على المشبه واشتق منه العقيم بطريق الاستعارة.
7- حذف الإِيجاز
{ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [الذاريات: 25] أي أنتم قوم منكرون ومثلها { عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [الذاريات: 29] أي أنا عجوز.
8- التشبيه المرسل المجمل { ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي نصيباً من العذاب مثل نصيب أسلافهم المكذبين في الشدة والغلظة، حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.
9- الإِطناب بتكرار الفعل { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } للمبالغة والتأكيد.
10- السجع الرصين غير المتكلف الذي يزيد في جمال الأسلوب ورونقه مثل { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.. وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } وهو من المحسنات البديعية.
لطيفَة: ذكر أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ
{ { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُون } [الذاريات: 22-23] فقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إِلى اليمين؟ يا ويح الناس!!