التفاسير

< >
عرض

فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ
٢٩
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ
٣٠
قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ
٣١
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٣٢
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ
٣٣
فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٣٤
أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ
٣٧
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ
٣٩
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ
٤٠
أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤١
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٣
وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
٤٤
فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
٤٥
يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٤٦
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٧
وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
٤٨
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ
٤٩
-الطور

صفوة التفاسير

المنَاسَبَة: لما تقدم إِقسام الله تعالى على وقوع العذاب بالكافرين، وذكر أشياء من أحوال المعذبين والناجين، أمر تعالى رسوله بالتذكير، إِنذاراً للكافرين وتبشيراً للمؤمنين، وختم السورة الكريمة ببيان عاقبة المكذبين، وحفظ الله ورعايته لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
اللغَة: { رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } حوادث الدهر وصروفه، والمنون هو الدهر قال أبو ذؤيب:

أمنَ المنونِ وريْبه تتوجَّع والدَّهر ليس بمعتب من يجزع

والمنون أيضاً الموتُ من المنِّ بمعنى القطع لأنه يقطع الأعمار { أَحْلاَمُهُمْ } عقولهم جمع حُلم وهو العقل { ٱلْمُصَيْطِرُونَ } المسيطر: المتسلط على الشيء { كِسْفاً } قطعة يقال: كسف بسكون السين وكسفة أي قطعة وجمعه كسف بفتح السين { مَّرْكُومٌ } متجمع ومتراكم بعضه فوق بعض.
التفسِير: { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } أي فذكّر يا محمد بالقرآن قومك وعظهم به، فما أنت بإِنعام الله عليك بالنبوة وإِكرامه لك بالرسالة { بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } أي لست كاهناً تخبر بالأمور الغيبية من غير وحي، ولا مجنوناً كما زعم المشركون، إِنما تنطق بالوحي.. ثم أنكر عليهم مزاعمهم الباطلة في شأن الرسول فقال { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } أي بل أيقول المشركون هو شاعر ننتظر به حوادث الدهر وصروفه حتى يهلك فنستريح منه؟ قال الخازن: وريبُ المنون حوادث الدهر وصروفه، وغرضهم أنه يهلك ويموت كما هلك من كان قبله من الشعراء، والمنون اسم للموت وللدهر وأصله القطع، سميا بذلك لأنهما يقطعان الأجل { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } أي قل لهم يا محمد: انتظروا بي الموت فإِني منتظر هلاككم كما تنتظرون هلاكي، وهو تهكم بهم مع التهديد والوعيد { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ }؟ أي أم تأمرهم عقولهم بهذا الكذب والبهتان؟ قال الخازن: وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل، وهو تهكم آخر بالمشركين { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } أي بل هم قوم مجاوزون الحد في الكفر والطغيان، والمكابرة والعناد { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } أي أم يقولون إن محمداً اختلق القرآن وافتراه من عند نفسه قال القرطبي: والتقوُّل تكلف القول، وإِنما يستعمل في الكذب في غالب الأمر، يقال: قوَّلتني ما لم أقل أي ادعيته عليَّ، وتقوَّل عليه أي كذب عليه { بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي ليس الأمر كما زعموا بل لا يصدقون بالقرآن استكباراً وعناداً ثم ألزمهم تعالى الحجة فقال { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } أي فليأتوا بكلامٍ مماثلٍ للقرآن في نظمه وحسنه وبيانه، إِن كانوا صادقين في قولهم إِن محمداً افتراه، وهو تعجيزٌ لهم مع التوبيخ { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } أي هل خُلقوا من غير ربٍ ولا خالق؟ قال ابن عباس: من غير ربٍ خلقهم وقدَّرهم { أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } أي أم هم الخالقون لأنفسهم، حتى تجرءوا فأنكروا وجود الله جل وعلا؟ { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي أم هم خلقوا السماوات والأرض؟ وإِنما خصَّ السماواتِ والأرض بالذكر من بين سائر المخلوقات لعظمها وشرفها، ثم بيَّن تعالى السبب في إِنكارهم لوحدانية الله فقال { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أي بل لا يصدقون ولا يؤمنون بوحدانية الله وقدرته على البعث ولذلك ينكرون الخالق قال الخازن: ومعنى الآية هل خُلقوا من غير شيءٍ خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق ضروري، فإِن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في البطلان أشدُّ، لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإِذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقاً فليؤمنوا به، وليوحدوه، ولْيعبدوه، ولْيوقنوا أنه ربهم وخالقهم { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ }؟ أي أعندهم خزائن رزق الله ورحمته حتى يعطوا النبوة من شاءوا ويمنعوها عمن شاءوا؟ قال ابن عباس: { خَزَآئِنُ رَبِّكَ } المطر والرزقُ وقال عكرمة: النبوة { أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ }؟ أي أم هم الغالبون القاهرون حتى يتصرفوا في الخلق كما يشاءون؟ لا بل الله عز وجل هو الخالق المالك المتصرف وقال عطاء { أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } أم هم الأرباب فيفعلون ما يشاءون ولا يكونون تحت أمر ولا نهي؟ { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ }؟ أي أم لهم مرقى ومصعد إِلى السماء يستمعون فيه كلام الملائكة والوحي فيعلمون أنهم على حقٍّ فهم به مستمسكون؟ { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي فليأت من يزعم ذلك بحجة بينة واضحة على صدق استماعه كما أتى محمد بالبرهان القاطع.. ثم وبخهم تعالى على ما هو أشنع وأقبح من تلك المزاعم الباطلة وهو نسبتهم إِلى الله البنات، وجعلهم لله جل وعلا ما يكرهون لأنفسهم فقال { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ }؟ أي كيف تجعلون لله البنات - مع كراهتكم لهن - وتجعلون لأنفسكم البنين؟ أهذا هو المنطق والإِنصاف؟ قال القرطبي: سفَّه أحلامهم توبيخاً لهم وتقريعاً والمعنى أتضيفون إِلى الله البنات مع أنفتكم منهن، ومن كان عقله هكذا لا يُستبعد منه إِنكار البعث وقال أبو السعود: تسفيهٌ لهم وتركيكٌ لعقولهم، وإِيذانٌ بأن من هذا رأيه لا يكاد يُعد من العقلاء، فضلاً عن الترقي إِلى عالم الملكوت، والاطلاع على الأسرار الغيبية، والالتفات إِلى الخطاب لتشديد الإِنكار والتوبيخ { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً } أي هل تسألهم يا محمد أجراً على تبليغ الرسالة وتعليم أحكام الدين؟ { فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } أي فهم بسبب ذلك الأجر والغُرم الثقيل الذي أوجبته عليهم مجهدون ومتعبون فلذلك يزهدون في اتباعك، ولا يدخلون في الإِسلام؟ فإِن العادة أن من كلف إِنساناً مالاً وضربَ عليه جُعلاً يصير مثقلاً وغارماً بسببه فيكرهه ولا يسمع قوله ولا يمتثله { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ }؟ أي أعندهم علم الغيب حتى يعلموا أنَّ ما يخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور الآخرة والحشر والنشر باطلٌ فلذلك يكتبون هذه المعلومات عن معرفةٍ ويقين؟ قال قتادة: هو ردٌّ لقولهم { شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } والمعنى أعَلموا أن محمداً يموتُ قبلهم حتى يحكموا بذلك؟ وقال ابن عباس: أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه، ويُخبرون الناس بما فيه؟ ليس الأمر كذلك فإِنه لا يعلم أحدٌ من أهل السماوات والأرض الغيب إِلا الله { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً }؟ أي أيريد هؤلاء المجرمون أن يتآمروا عليك يا محمد؟ قال المفسرون: والآية إِشارة إِلى كيدهم في دار الندوة وتآمرهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى
{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } [الأنفال: 30] { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } أي فالذين جحدوا رسالة محمد هم المجزيون بكيدهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم، ووباله راجع على أنفسهم كقوله { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43] قال الصاوي: وأوقع الظاهر { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } موقع المضمر تشنيعاً وتقبيحاً عليهم بتسجيل وصف الكفر { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ }؟ أي ألهم إِله خالق رازق غير الله تعالى حتى يلجأوا إِليه وقت الضيق والشدة؟ ويستنجدوا به لدفع الضُّرِّ والعذاب عنهم؟ { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزَّه وتقدَّس الله عما يشركون به من الأوثان والأصنام قال الإِمام الجلال: والاستفهام بـ"أم" في مواضعها الخمسة عشر للتوبيخ والتقريع والإِنكار.. ثم أخبر تعالى عن شدة طغيانهم وفرط عنادهم فقال { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً } أي لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء نزلت عليهم لم ينتهوا ولم يرجعوا، ولقالوا في هذا النازل عناداً واستهزاءً: إِنه سحاب مركوم { يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } أي إِنه سحاب متراكم بعضُه فوق بعض قد سقط علينا قال أبو حيان: كانت قريشٌ قد اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اقترحت من قولهم { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } [الإِسراء: 92] فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عياناً حسب اقتراحهم لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه ويقولوا: هو سحابٌ مركوم أي سحاب تراكم بعضه فوق بعض ممطرنا، وليس بكسفٍ ساقطٍ للعذاب { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } أي اتركهم يا محمد يتمادون في غيهم وضلالهم، حتى يلاقوا ذلك اليوم الرهيب - يوم القيامة - الذي يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم ويسلب ألبابهم { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } أي يوم لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا ولا يدفع عنهم شيئاً من العذاب { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي ولا هم يُمنعون من عذاب الله في الآخرة { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } أي وإِن للذين كفروا عذاباً شديداً في الدنيا قبل عذاب الآخرة قال ابن عباس: هو عذاب القبر وقال مجاهد: هو الجوع والقحط سبع سنين { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون أن العذاب نازل بهم { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي اصبرْ يا محمد على قضاء ربك وحكمه، فيما حمَّلك به من أعباء الرسالة { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي فإِنك بحفظنا وكلاءتنا نحرسك ونرعاك { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أي ونزِّه ربك عما لا يليق به من صفات النقص حين تقوم من منامك ومن كل مجلس بأن تقول: سبحان الله وبحمده قال ابن عباس: أي صلِّ للهِ حين تقومُ من منامك { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } أي ومن الليل فاذكره واعبده بالتلاوة والصلاة والناسُ نيام كقوله { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } [الإِسراء: 79] { وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } أي وصلِّ له في آخر الليل حين تدبر وتغيب النجوم بضوء الصبح قال ابن عباس: هما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر وفي الحديث "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" .
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1- جناس الاشتقاق
{ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } [الطور: 9] و { تَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [الطور: 10].
2- الإِهانة والتوبيخ
{ ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } [الطور: 16] وبين قوله { ٱصْبِرُوۤاْ } وقوله { أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } طباق السلب وهو من المحسنات البديعية.
3- التشبيه المرسل المجمل
{ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [الطور: 24] حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.
4- الاستعارة التبعية { رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } شبهت حوادث الدهر بالريب الذي هو الشك بجامع التحير وعدم البقاء على حالة واحدة في كلٍ منهما واستعير لفظ الريب لصروف الدهر ونوائبه بطريق الاستعارة التبعية.
5- الأسلوب التهكمي { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ }؟ هذا بطريق التهكم والسخرية بعقولهم.
6- الالتفات من الغيبة إِلى الخطاب لزيادة التوبيخ والتقريع لهم { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ }؟.
7- أسلوب الفرض والتقدير { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً } أي لو رأوا ذلك لقالوا ما قالوا.
8- السجع الرصين غير المتكلف مثل
{ وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } [الطور: 1-3] ومثل { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 7-8] وهلم جراً.
فَائِدَة: عن جبير بن مطعم قال: قدمتُ المدينة لأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر، فوافيتُه يقرأ في صلاة المغرب
{ وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } [الطور: 1-2] فلما قرأ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 7-8] فكأنما صُدع قلبي، فأسلمتُ خوفاً من نزول العذاب، فلما انتهى إِلى هذه الآية { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } كاد قلبي أن يطير.