التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
٦
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ
٧
وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ
١٠
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
١١
-العاديات

مختصر تفسير ابن كثير

يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله، فعدت وضبحت، وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو، { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } يعني اصطكاك نعالها للصخر، فتقدح منه النار، { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } يغني الإغارة وقت الصباح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحاً ويستمع الأذان، فإن سمع أذاناً وإلاّ أغار، وقوله تعالى: { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } يعني غباراً في مكان معترك الخيول، { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع، روى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: بينا أنا في الحجر جالساً جاءني رجل فسألني عن: { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم، فانفتل عني، فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو عند سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحاً، فقال: سألت عنهم أحداً قبلي؟ قال: نعم سألت ابن عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله، قال: اذهب فادعه لي، فلما وقف على رأسه، قال: أتفتي الناس بما لا علم لك؟ والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلاّ فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحاً؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، وفي لفظ: إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران، فمذهب ابن عباس أنها الخيل. وقال (علي) إنها الإبل. قال عطاء: ما ضبحت دابة قط إلاّ فرس أو كلب، وقال عطاء: سمعت ابن عباس يصف الضبح: أح أح، وقال أكثر هؤلاء في قوله: { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } يعني بحوافرها، وقيل: أسعرت الحرب بين ركبانهن، وقيل: هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل، وقيل: المراد بذلك نيران القبائل، قال ابن جرير: والصواب الأول: الخيل حين تقدح بحوافرها، وقوله تعالى: { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } قال ابن عباس ومجاهد: يعني إغارة الخيل صبحاً في سبيل الله، وقال: من فسرها بالإبل هو الدفع صبحاً من المزدلفة إلى منى، وقالوا كلهم في قوله: { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } هو المكان الذي حلت فيه أثارت به الغبار إما في حج أو غزو، وقوله تعالى: { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } قال ابن عباس وعطاء: يعني جمع الكفار من العدو، ويحتمل أن يكون فوسطن بذلك المكان جميعاً ويكون منصوباً على الحال المؤكدة، وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } هذا هو المقسم عليه، بمعنى أنه لنعم ربه لكفور جحود، قال ابن عباس ومجاهد: الكنود الكفور. قال الحسن: الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه، وقوله تعالى: { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } قال قتادة والثوري: وإن الله على ذلك لشهيد، ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان فيكون تقديره: وإن الإنسان على كونه كنوداً لشهيد، أي بلسان حاله، أي ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله كما قال تعالى: { شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } [التوبة: 17] وقوله تعالى: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } أي وإنه لحب الخير وهو المال { لَشَدِيدٌ }، وفيه مذهبان: (أحدهما): أن المعنى وإنه لشديد المحبة للمال، (والثاني) وإنه لحريص بخيل من محبة المال، وكلاهما صحيح، ثم قال تبارك وتعالى مزهداً في الدنيا، ومرغباً في الآخرة، ومنبهاً على ما هو كائن بعد هذه الحال، وما يستقبله الإنسان من الأهوال { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } أي أخرج ما فيها من الأموات، { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم، { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } أي لعالم بجميع ما كانوا يصنعون، ومجازيهم عليه أوفر الجزاء، ولا يظلم مثقال ذرة.