التفاسير

< >
عرض

أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ
١
فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ
٢
وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ
٣
فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ
٤
ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ
٥
ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ
٦
وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ
٧
-الماعون

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى: { أَرَأَيْتَ } يا محمد { ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } وهو المعاد والجزاء والثواب { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي هو الذي يقهر اليتيم ولا يطعمه ولا يحسن إليه { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } كقوله { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } [الفجر: 18]، ثم قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس: يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر، ولهذا قال: { لِّلْمُصَلِّينَ } الذين من أهل الصلاة ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، أو يخرجها عن وقتها، وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: { عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل { في صلاتهم ساهون } فيؤخرونها إلى آخر الوقت، أو لا يؤدونها بأركانها وشروطها عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً" ، فهذا أخّر صلاة العصر التي هي الوسطى - كما ثبت به النص - إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قال إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً، ولهذا قال: "لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً" ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية، قال الله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 142]، وقال تعالى هٰهنا: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ }، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعدّ ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد: لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله" . وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوساً عند أبي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمّع بعمله سمّع الله به سامع خلقه وحقّره وصغّره" ، ومما يتعلق بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنت أصلي، فدخل عليّ رجل، فأعجبني ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية" . وفي رواية عنه قال، "قال رجل: يا رسول الله! الرجل يعمل العمل يسره فإذا اطلع عليه أعجبه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: له أجران: أجر السر وأجر العلانية" . وعن سعد بن أبي وقاص قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" ، قلت: وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعاً، أو تأخيرها عن أول الوقت.
وقوله تعالى: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أي لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به من بقاء عينه ورجوعه إليهم، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى. وقد قال مجاهد { ٱلْمَاعُونَ } الزكاة، وقال الحسن البصري: إن صلى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله، وفي لفظ: صدقة ماله، وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها، وخفيت الزكاة فمنعوها. وسئل ابن مسعود عن الماعون؟ فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك، وقال ابن جرير، عن عبد الله قال: "كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن"، ولفظ النسائي عن عبد الله قال: كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر، وعن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } يعني متاع البيت، وكذا قال مجاهد والنخعي أنها العارية للأمتعة، وقد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة، ومنهم من قال: يمنعون الطاعة، ومنهم من قال: يمنعون العارية، وعن علي: الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو، وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة، وهذا الذي قاله عكرمة حسن، فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد، وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة، ولهذا جاء في الحديث:
"كل معروف صدقة" .