التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ
١
لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
٢
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٣
وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
٤
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٥
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
٦
-الكافرون

مختصر تفسير ابن كثير

هذه سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، فقوله تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن الموجهون بهذا الخطاب هم (كفار قريش) دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية. فقال: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } يعني من الأصنام والأنداد، { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } وهو الله وحده لا شريك له، ثم قال: { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ }، أي ولا أعبد عبادتكم أي ولا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه، ولهذا قال: { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } أي لا تقتدون بأوامر وشرعه، في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم، كما قال: { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } [النجم: 23] فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، ولهذا كان كلمة الإسلام "لا إلٰه إلاّ الله محمد رسول الله" أي لا معبود إلاّ الله، ولا طريق إليه إلاّ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن الله بها، ولهذا قال: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }، كما قال تعالى: { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } [يونس: 41]، وقال: { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [القصص: 55، الشورى: 15]، وقال البخاري { لَكُمْ دِينُكُمْ } الكفر، { وَلِيَ دِينِ } الإسلام، ولم يقل: ديني، لأن الآيات بالنون فحذف الياء، كما قال: { فَهُوَ يَهْدِينِ } [الشعراء: 78] و { يَشْفِينِ } [الشعراء: 80]، وقال غيره: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } الآن ولا أجيبكم بما بقي من عمري { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ }، ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقوله: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 5-6] فهذه ثلاثة أقوال: أولهما: ما ذكرناه أولاً. الثاني: ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في الماضي { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في المستقبل. الثالث: أن ذلك تأكيد محض. وثمّ قول رابع: نصره ابن تيمية في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } نفي الفعل لأنها جملة فعلية، { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } نفي قبوله لذلك بالكلية، لأن النفي بالجملة الإسمية آكد، فكأنه نفي الفعل، وكونه قابلاً لذلك، ومعناه نفي الوقوع، ونفي الإمكان الشرعي أيضاً، وهو قول حسن أيضاً، والله أعلم.