التفاسير

< >
عرض

قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ
٢٦
ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٢٧
-النحل

مختصر تفسير ابن كثير

قال ابن عباس في قوله تعالى: { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } قال: هو النمروذ الذي بنى الصرح؛ وقال زيد بن أسلم: أول جبار كان في الأرض النمروذ، وقال آخرون، بل هو بختنصر، وقال آخرون: هذا من المثل لإبطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره، كما قال نوح عليه السلام: { { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } [نوح: 22] أي احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة، { { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } [سبأ: 33] الآية. وقوله: { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم، كقوله تعالى: { { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [المائدة: 64]، وقوله: { { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } [الحشر: 2]، وقال الله هٰهنا: { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } أي يظهر فضائحهم وما كانت تجنه ضمائرهم فيجعله علانية كقوله تعالى: { { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [الطارق: 9] أي تظهر وتشتهر، كما في "الصحيحين" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان" . وهكذا هؤلاء يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم الله على رؤوس الخلائق، ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعاً لهم وموبخاً: { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ }؟ تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم هٰهنا؟ { { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } [الشعراء: 93]، { { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } [الطارق: 10]، فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة: وحقت عليهم الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار، { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْم } وهم السادة في الدنيا والآخرة: { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله، وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه.